احتراماً لإرادة الشعب السوداني، الذي منح رئيس الجهورية «694.901.6» ستة ملايين وتسعمائة وألف وستمائة وأربعة وتسعين من الأصوات، وبنسبة بلغت «24.68%» في الانتخابات التي شهدتها البلاد.. فإن الحديث الواجب والضروري في هذه اللحظات ينبغي أن يتركز حول التغيير الذي يضمن لنا عبوراً ناجحاً وآمناً بأقل قدر من الخسائر وبأكبر قدر من المكاسب. والحقيقة أن بعض الناس يحلم بتغيير السياسات وآخرون يحلمون بتغيير الوجوه وفريق ثالث يتسع حلمه ليشمل السياسات والأشخاص معاً.. الكل يراهن على أن التغيير المنشود سيحقق ويلبي رغبة الجماهير ويضمن مواصلة المشوار من أجل تحقيق النهضة الكبرى. وربما تأتي من هنا أهمية التدقيق في اختيار القيادات السياسية والتنفيذية، ليس على مستوى الوزراء والمعتمدين والوظائف العليا فقط، وإنما على كل المستويات الوسطية والتحتية التي تتعامل تعاملاً مباشراً مع مصالح الشعب، ويتحتم أن يُراعى عند اختيارها مدى قدرتها على تحقيق مصالح المواطنين والتجاوب مع حقوقهم وتطلعاتهم المشروعة، طبقاً لمعايير ولوائح واضحة وبسيطة وغير معقدة لا تسمح بوجود أية ثغرات للتلاعب والفساد الإداري أريد أن أقول إن الساعات القادمة ينبغي أن تشهد إلحاحاً حول التحديات التي ترتبط بأمن واستقرار هذا الوطن والمسئوليات الجسام على مدى السنوات المقبلة.. وبوضوح إن معطيات اللحظة الراهنة في المشهد الدولي بوجه عام والمشهد الإقليمي والداخلي بوجه خاص تحتم علينا ونحن على مشارف عهد جديد أن نعيد النظر في أجندة عملنا الوطني لكي نضع مهمة الحفاظ على أمن واستقرار الوطن في صدر الأولويات. إن الحفاظ على أمن واستقرار الوطن هو الضمان الوحيد للحفاظ على وطن قوي قادر على صد واحتواء الرياح العاتية التي تهب علينا تباعاً بأشكال ومسميات متعددة.. فالقوة الحقيقية للسودان ليست فقط مجرد أرقام صماء تعكس حصاد العمل والإنتاج لجهدنا الوطني.. ولكن القوة الحقيقية تتحدد وتتأكد بمدى القدرة على ضمان الاستقرار وتثبيت الأمن تحت رايات الديمقراطية والمشاركة الشعبية الحقيقية في تحمل المسئوليات، وبما يضمن تجنيب الوطن مخاطر المتغيرات السياسية والاهتزازات الاقتصادية والغزوات الثقافية والفكرية. وأريد أن أقول أيضاً بصراحة إن استقرار وأمن وسلامة الوطن ينبغي أن يستمر في صدرأولويات عملنا الوطني، وذلك يستلزم استمرار الاستمساك بمزيج من يقظة الأمن وصلابته من ناحية، وعدالة البعد الاجتماعي ومشروعيته المتحصنة بديمقراطية كاملة وسليمة من ناحية أخري. ولست أظن أنه يغيب عن فطنة أحد ذلك الارتباط الوثيق بين الاستقرار بمفهومه الشامل أمنياً واجتماعياً واقتصادياً وسياسياً، وبين ترسيخ البنيان الديمقراطي بالدرجة التي تبعث الطمأنينة في النفوس وتطرد هواجس الخوف والقلق من الصدور وتسمح بتفجير ملكات الإبداع والابتكار تحت مظلة من قواعد صريحة وواضحة تحدد الفواصل بين الحرية المسؤولة والفوضى المخربة، وتجعل من الانضباط عنواناً لمرحلة لم تعد تحتمل أي قدر من التسيب أو الإهمال. وربما يكون ضرورياً أن نعاود التأكيد بكل الوضوح وبكل الصراحة على أن بنيان الوحدة الوطنية كان ومازال وسيظل هو حجر الزاوية في تماسك البنيان الاجتماعي والأقتصادي والأمني، ومن ثم فإن التصدي لأي محاولات خبيثة تستهدف المساس بوحدتنا الوطنية يستوجب سرعة الانتقال بآليات العمل الوطني في هذا المجال من أوضاع الترقب والانتظار إلي مواقع المبادرة التي توفر القدرة على كشف وتعرية تجار الشائعات ومحترفي التكسب من هذه القضية داخل وخارج الوطن. وليس خروجاً عن سياق الحديث أن أقول إن الإنسان هو أهم وأقوى ركيزة في بنيان الأمن والاستقرار للوطن. ومن ثم ينبغي أن يكون من بين أهم أهداف العمل الوطني في المرحلة المقبلة المزيد من الشواهد والأدلة الملموسة التي تؤكد استمرار الالتزام بحل المشاكل الحياتية للمواطن واحترام آدميته. أريد أن أقول صراحة إن جميع الأجهزة الرسمية والشعبية في هذا الوقت مطالبة بالارتفاع لمستوى الأحلام والطموحات المشروعة التي تصب في خدمة هدف توفير الحياة الكريمة للأغلبية الكادحة، واعتماد هذه الأحلام المشروعة كهدف أساسي في أجندة العمل الوطني، بحيث لا تسبقه أهداف أخرى، ولا يجوز الجور عليه تحت أي مسميات أو متغيرات في الفكر السياسي والاقتصادي من نوع تلك المتغيرات التي تهب علينا مع رياح العولمة وقوانينها الاجتماعية القاسية. وربما يكون صحيحاً- وهو على الأرجح صحيح- أننا خطونا خطوات كبيرة لإصلاح المسارالاقتصادي، ولكن مازالت هناك ثغرات في أساليب الممارسة تسمح بتجدد المعوقات وظهور العقبات وإطلال بعض أشباح الماضي من السماسرة والوسطاء وتجار السوق السوداء وأباطرة التهريب علي مسرح السوق الاقتصادية، مما يؤدي الي الاختناقات والأزمات! لعلي أكون أكثر وضوحاً وأقول إن هناك ارتباطاً وثيقاً بين دعم بنيان الأمن والأستقرار وبين استمرار الالتزام بالركائز الأساسية التي تقوم عليها فلسفة التكافل الاجتماعي والبناء الديمقراطي في هذا الوطن وفي المقدمة منها ذلك الذي يتعلق بدعم السلع الأساسية، ومجانية التعليم في كل مستوياته، وتأمين وتوفير العلاج المجاني.. وليس بعيداً عما كنت أتحدث فيه عن ضمانات تقوية ركائز وأعمدة أمن واستقرار الوطن أن أقول إن مشكلة البطالة لم يعد يجدي معها أسلوب الحلول المؤقتة وإنما تحتاج إلي حلول جذرية.وفي اعتقادي أن قضية البطالة بأبعادها الأقتصادية والاجتماعية والنفسية تحتاج إلي رؤية جديدة يتحمل فيها الجميع مسئوليتهم جنباً إلي جنب مع الدولة- خاصة رجال الأعمال والمستثمرين وأصحاب المشروعات- من أجل توفير المزيد من فرص العمل الدائمة والمستقرة. إن قدرتنا علي قهر المصاعب وتجاوز كل التحديات ليست رهناً فقط بتوفير الموارد أو تغيير الكوادر أو استقدام التكنولوجيا فحسب، وإنما هي أيضاً رهن بمدى قدرتنا على إحداث تغيير جذري في كثير من أفكارنا وعاداتنا وسلوكياتنا الاجتماعية والثقافية، بحيث يتم الأخذ بمنهج جديد في السلوك الفردي يرتكز إلى الاعتدال في الإنفاق والادخار والتخطيط للمستقبل.