نظراً للطبيعة الحساسة والمهمة للعمل الأمني، كل الدول تهتم بتوفير أكبر الاعتمادات لهذا القطاع الحساس وحتى في أمريكا الموازنات المخصصة للأمن والمخابرات، وهي دائماً من الموازنات المفتوحة، لأن الأمن عرضة باستمرار لأحداث طارئة تتطلب تحركاً فورياً. وكان هذا الحال في السودان في الأربعين سنة الماضية وزاد الاهتمام بالأمن والمخابرات لدينا بسبب الهجمة الصهيونية خلال العشرين سنة الماضية والتي ظهرت في أطراف السودان وجنوبه. ومع انتهاء مشكلة الجنوب وتوقيع اتفاقية سلام دارفور والشرق وتناقص عائدات البترول وإعلان الحكومة لبرنامج تقشف، كان أمراً طبيعياً تخفيض موازنة الأمن والمخابرات ولكن أليس لذلك انعكاسات على أداء هذا القطاع الحساس، وهل سنرى تطبيقاً لسياسة التشقف هذه على وزارات أخرى لها أهميتها مثل الزراعة والتعليم والصحة للخبراء الاقتصاديين رؤيتهم.. اتفق الخبير الاقتصادي دفع الله محمد أستاذ الاقتصاد بجامعة الخرطوم، مع الخبراء حول أهمية زيادة الانفاق الحكومي على الزراعة والصحة والتعليم، وأكد أن الزراعة الآن تمثل البديل الأول للبترول، و80% من السكان يعتمدون عليها وتمثل 40% من الناتج القومي، وقال إنها تدعم التنمية لأنه هو القطاع المخدم والذي يعتمد عليه الاقتصاد، وقال إن الزراعة تمثل في الاقتصاد مصطلح «الارتباطات الأساسية»، حيث تقوم عليها صناعات أخرى، مشيراً إلى أهمية دور الانفاق على الصحة والتعليم لأنها تخدم رأس المال البشري وأهم مقومات التنمية بلا شك، وكما يقول الأخ النائب الأول علي عثمان الزراعة والصحة والتعليم هي التي نعول عليها اليوم. الخبير الاقتصادي د. محمد عبد القادر الأستاذ بجامعة أفريقيا العالمية يرى أن الدولة بالضرورة مطالبة بالصرف على جهاز الأمن والمخابرات نسبة للظروف الاستثنائية من حروب وصراعات داخلية واستهداف خارجي، وأضاف عبد القادر أن الأمن الداخلي ينعكس على الاقتصاد الوطني بالأثر الإيجابي، وقال إن الظروف السابقة الذكر نفسها والحالة الاقتصادية التي تمر بها البلاد الآن تتطلب تخفيض الميزانية والتي تعتبر ميزانية مفتوحة لجهاز الأمن والمخابرات، مؤكداً أن الانفاق الحكومي بهذه الدرجة له أثر سالب على الاقتصاد الوطني، معللاً ذلك بأن هذه الأجهزة أجهزة خدمية وليست إنتاجية، الأمر الذي يؤدي إلى تخفيض ميزانية الأجهزة الأمنية على أساس أن الحرب انتهت غير صحيح، لأن الحرب ما زالت قائمة حتى على مستوى الجنوب ولا يمكن أن نأمن له، ودارفور لا زالت تعتبر نقطة ساخنة ناهيك عن جنوب كردفان والنيل الأزرق.. وأكد أن عملية ضغط الميزانيات في الوزارات لا يمكن تطبيقها على بعض الوزارات كالصحة والتعليم كأجهزة تعمل على المورد البشري وأهم مورد، وكلما زادت الحكومة الانفاق عليها يؤدي ذلك إلى معالجة القهر، وأضاف أن ترك هذين المجالين للقطاع الخاص هو أمر ينعكس سلباً على المواطن ويجعله فريسة لأطماع السوق، وقال إن الزراعة قطاع إنتاجي مهم وتسد الفجوة الاقتصادية، وبالتالي يقل حجم الاحتياج للعملة الصعبة، مؤكداً أنه على الحكومة أن تقوم بإعادة هيكلة، وقال «نحن لدينا عدد ضخم» من وزراء الدولة الذين لا حاجة لهم، فوزير واحد يكفي ويمكن أن يحل محل وزير الدولة وكيل الوزارة، وأضاف نحن لدينا أجهزة مترهلة وموظفون بلا وظائف يقضون اليوم في قراءة الصحف والانترنت وغيرها مع وجود بطالة مقننة، وقال هذه هي الأشياء التي يجب أن تركز عليها الحكومة، لأن سياسة ضغط الميزانية لا يمكن أن تنجح مع كل الوزارات. ويقول د. ميرغني ابن عوف الخبير الاقتصادي إن عملية ترشيد الانفاق الحكومي من السياسات المهمة في الفترة الحالية، مستنكراً تخفيض الميزانية في الأجهزة الأمنية ووصفها بالأجهزة الحساسة، قائلاً إنه ضد الانفاق على هذه الأجهزة التي لا تخدم الأمن القومي نتيجة الخوف من هذه الأجهزة، بل تخدم السلطة، وأضاف الأمن الذي نريد أن ننفق عليه، أمن لا يقوم بقمع المواطن، وقال: «إننا لا نعترف بهذه الأجهزة وليست حساسة ولا نريد أن نصرف عليها»، مشيراً إلى البذخ في الانفاق على مباني الأمن والجيش ووصفه بأنه «صرف من لا يخشى الفقر»، وأضاف أنها سياسة «قول كل شيء من أجل أن لا تفعل شيء»، وتساءل هل حقاً خفضت ميزانية الأمن والمخابرات، هل هي خدعة أم هو عقاب أم أنه الخوف من أن الجهازين يكونا أقوى من السلطة.. وقال إن المنطق يقول إن عمل الجهاز الآن ومهامه تضاعفت بعد انتقال الجنوب، مؤكداً على أهمية الصرف عليها بشرط أساسي هو أن تؤدي مهامها وليس الانقضاض على السلطة وقمع المواطنين. ويرى ابنعوف أن التقشف يجب أن يشمل مناطق الترهل والتضخم، مشيراً إلى أنه على الحكومة أن تتوقف عن سياسة «المناصب الترقوية» وتقليد أشخاص وظائف وهمية من أجل إرضائهم، وقال إن فرض سياسة التقشف يجب أن لا تشمل الشرطة والصحة والتعليم، وقال إذا خفضت ميزانياتها فهذا «حرام»، مضيفاً أن الصرف الحكومي على الحزب الحاكم هو أحد أوجه الترف وعلى الحكومة أن توقف الصرف على المعارضة «كرشوة»، وقال نحن كمواطنين لا نريد الصرف على هذه المعارضة.. ووصفه بأنه صرف بلا معنى ويدعو للسخرية. وختم قائلاً هذه كلها حلول مخدرة والحل في «الحكومة الرشيدة».