الصورة مليئة بسخاء الطبيعة وخصوبة الخيال الفني مثلما هي عابقة بعبير العراجين وغناء القمري ورحيق التلاوات وسموات المديح النبوي ، تصبح الصورة أشد نصاعة ووضوحا لاسراب تلاميذ مدرسة البرصة الصغري وقتها بعمائمهم وجلاليبهم البيضاء وهم منطلقين علي حمرهم المسرعة اما فرادي او مترادفين نحو المدرسة . ان اتضاح المدرسة كمعلم يتجلي رويدا رويدا لدي الناظر للمشهد ككل عندما تكون قبة شيخنا محمد علي العجيمي هي الحكم في أنك قد وصلت الي المدرسة المجاورة ، ومع انكشاف تلال الرمل وتلك الربي والجداول والوهاد و استمرار سير الحمر المسرعة نحو القبة أو خاصرة الجبل أو المدرسة ، يزداد اعلي القبة ظهورا ويبدو يبدو لك جسمها المخروطي الفضي الصقيل كصاروخ معد للانطلاق نحو السماء. ثم أن الصورة تكون أكثر اكتمالا حينما يدخل الي الحلبة جبل الصلاح كلنكانكول من ميزات جبل الصلاح، ان امتداده خلف القري الواقعة علي ضفتي النهر من أعمال مركز مروي بالمديرية الشمالية هوبمثابة الصدر في الجسم او الذراعين. يتبادل هذا الجبل مع النهرعبر صدره أوذراعيه مهمة ضم القري ضمة عاشق.. الدليل علي ذلك انك تري هذا الجبل من جميع النواحي فهو لا يغيب عن ناظريك وعندما تقف علي شط النهر ، تري جبل الصلاح مطبوعا علي صفحة الماء ، وعندما تكون علي متن لوري من بعيد ، يبدو سنامه الملهم عنوانا لك بأنك تقترب من رحاب السادة البديرية الدهمشية العباسية ودائرتهم في قرية البرصة وأمامها وقطبها السيد نور الدائم العجيمي أكبر أبناء السيد محمد علي العجيمي. . ان الجبل اذن هو سيد المشهد وهو المسيطر علي جماليات هذه الصورة لأن هذه السيطرة ليست جديدة علي حتمية سلطة الجبال في الأرض أو وظيفتها الايكولوجية حيث جعلها الله تعالي أوتادا للأرض حتي لا تميد بالناس حين تتجاذبها أهواء حممها الغاضبة أو يعربد علي ظهرها شيطان مارد . وربما كانت ذاكرتهم الشعبية واعية لهذه السلطة حينما غني مغنيهم لد وبه. عندما تقترب أكثر من موقع القرية والجبل، تنضم لوحة أخري ملهمة الي المشهد.تلك هي قبة العارف بالله تعالي السيد محمد علي العجيمي التي تضم قبره. نوافذها الملونة وجسمها الصقيل المصنوع من الحجر وبابها الأخضر . من تلك الربوة التي تضم القبة والمدرسة، تري بوضوح مآذن الدائرة ومسجدها وخلاويها وبرنداتها وأشجار الدوم والنيم العالية التي تطرز المكان أو تحف به.لكن هذه اللوحة ترتديها لوحة اجمالية وجمالية أخري أشمل وأكبر . تلك هي بساتين النخل التي تحيط بالدائرة وتطرز خديها شرقا وجنوبا ومن سرة النيل يتخلل تلك البساتين جدول يتمدد عبر الجروف لينفذ الي بساتين الدائرة . لا يقطع هذا الجدول قاطع أو يعترض مساره عائق غير درب اللواري القادمة من كريمة عبر برزخ تتمهل لديه وفوقه اللواري المجهدة القادمة من كريمة أو الذاهبة اليها من القري المجاورة . بالنسبة الي اللواري القادمة من كريمة ، فان التمهل لا تمليه ضرورات القيادة الحكيمة للوري المتعب فحسب ، وانما حتمية التوقف لدي الدائرة علي جانب الدائرة الشمالي خلف الخلوة القرآنية المسماة علي اسم مقرئها خلوة شيخنا عبد الحليم عندما غلب خير الله عام 1988 وانتحبت السماء بدموع الغمام وتمرد النهر العاشق، كان خط غضبه الجدار الحجري المنيع للخلوة . ان تلك الخلوة هي التي مهدت الي قيام التعليم النظامي بالمنطقة حينما استدعي الشيخ العجيمي تلميذه شيخنا عبد الحليم فخف ملبيا النداء ، ومجافيا لمتاع الدنيا ومتخليا عن تجارته البسيطة ليتحول الناس من تعليم الخلوة الي مدرسة صغري رأيناها عبر الزمن ببركات روادها وعزم طلابها تخرج الكثيرين ممن كان لهم اسهام مقدر علي صعيد البلاد والاقليم . داخل الخلوة ترقد ملبية أمر ربها وصادحة بالذكر ، الواح الطلاب الذين كانوا بها يوما وعلي الالواح خطوط العمار الجميلة للطلاب. لا يهم متي يصل اللوري الي قرية البرصة والهيام ببركات الشيخ نور الدائم العجيمي ، فللزمن هنا معني خاص ربما ليس للسعي في مناكب الأرض أو عقارب الساعة التي تعرفها دخل في تشكيله، ولكنه العروج الي مدارج السموات.. صحيح أن ركاب اللوري يعانون من أحمال الشوق القادم معهم من البنادر الي أهلهم ... الي أم عزيزة أو أب مشتاق أو نخلة في عيد من أعياد لقاحها أو حالة ولادة لسبائط تكتنز بالبركاوي والكرش بضم الكاف والراء ، وربما عانوا من مشقة الرحلة وآلام السهر، ولكن فكرة الاقتراب من الدائرة وربما التمييز في تسلل الصبح من بين أشجار النخل وبداية الطير وريات غنائه ليعلن ضوء الصبح الجديد . يمد ركاب اللوري الأعناق فربما كان ذلك القادم لتحية الركاب هو شيخنا نور الدائم العجيمي أو أخيه السيد شيخ الدين بعباراتهما الموحية الدعوية الملهمة، ذلك في حد ذاتها أحد طقوس الزيارة الي البلد وافتتاح مبارك لتلك الطقوس.لا يهم متي يصل اللوري الي البرصة فهي اما ليل ذاكرين توغلوا في عمق الليل وأحالوه الي صباح واما اصباح جديد لا عيب فيه سوي أنه امتداد ليل ما عرف الهجود لأنه يتنقل بين الاسماء الحسني في رحلة يقطعها الذاكر بين محفزات لليقظة تتغلب فيتخلي النوم عن مرافعته فيدركه الصباح ويسكت عن الكلام المباح. أنك تري هذه المسافة البعيدة بين اليقظة والوسن تسري من الدائرة الي القري المجاورة ... الأركي والبار وجلاس وبعيدا منها هنالك في العفاض ورومي والبكري وجرا والجابرية وغيرها وهي تنكب تحت ضوء القمر أو ربما رتائن المديح علي الشدو برقائق«كامل الانوار» ان الاذن العاشقة هناك لا تكتفي بأناشيد التلاميذ وهم يتدربون علي يد شيخ ابراهيم وشيخنا عبد الحليم علي تحويل منهج اناشيد بخت ارضا الي الحان مدائحية مسمدة من ديوان «كامل الانوار» : لشيخنا العجيمي ، ولا بحنين اللواري المجهدة نحو البرصة بعد أن تعبر خور المحفور وتتخطي تحدي المنحنيات الحرجة في قلعة كجبي وفتنة والكرو . ان الاذن لا تكتفي بذلك لأنها مشدوده عبر الأثير لمدائح قادمين من بعيد نحو دائرة شيخهم محمد علي العجيمي في البرصة . في هدأة ليل القرية وصمتها الناطق تسمع حركة قادمين من قري بعيدة ، ربما من العفاض أو رومي أو البكري أو الجابرية أو جرا أو الدبة. لا يهم من هم أو كم عددهم وانما المهم هو أنهم في عرف شيخنا عبد الحليم «أخوان » في طريقهم الي دائرة الشيخ العجيمي يضربون أكباد الابل علي مطاياهم الي البرصة للزيارة والتبرك وتعميق معاني الاخاء في الله كمادة أساسية في مدرسة العالم الجليل السيد محمد علي العجيمي.