ü جاء في الأخبار أن الحكومة السودانية تتجه للتعاقد مع شركة قانونية عضوة في مجموعات الضغط بالولاياتالمتحدة في محاولة لرفع العقوبات الأمريكية ضد السودان- «الصحافة الأربعاء 7 ديسمبر» نقلاً عن أفريكا انتيليجانس- حيث قامت شركة «بارت فيشر» القانونية بعمل ملخص بعثت به إلى السفارة السودانية في واشنطن مطلع نوفمبر الماضي، وأفاد صاحب الشركة «بارت فيشر» السفارة السودانية أن عمله سيجري في إطار لوائح العقوبات السودانية «برسم أتعاب» قدره 20 ألف دولار في الشهر. ü وتقول أفريكا انتيليجانس إن شركة بارت فيشر تعد بمثابة «ضاغط» قديم لصالح الحكومة و «الشركات الصينية»، حيث تمزج الشركة الدفاع القانوني لزبائنها بأنشطة الضغط السياسي. وفي حالة السودان فإن الخرطوم ستستشير الشركة حول الكيفية التي تحصل بها على تخفيف العقوبات الأمريكية أو إيقافها ورفع اسم البلاد من قائمة وزارة الخارجية بالدول الراعية للإرهاب. وسيساعد فيشر السفارة السودانية في واشنطن في إجراءاتها القانونية، حيث أضفى «فيشر» الطابع الرسمي على العقد في 10 نوفمبر الماضي عند تصاعدالتوتر على الحدود مع جنوب السودان وقيام 66 منظمة في الولاياتالمتحدة بتوجيه خطاب إلى الرئيس باراك أوباما تطالبه فيه بفرض حظر طيران فوق دارفور وجنوب كردفان والنيل الأزرق لمنع الخرطوم من شن هجمات على المدنيين. ü هكذا يقول خبر «الصحافة» المنسوب إلى وكالة أفريكا انتيليجانس، ويبدو من مصدره وتفاصيله أنه خبر صحيح على الأغلب، خصوصاً وأن العقد بين شركة «فيشر» والسفارة السودانية في واشنطن قد تم توقيعه عند العاشر من نوفمبر الماضي، وتحددت بموجبه قيمة الأتعاب البالغة 20 ألف دولار شهرياً للسيد «فيشر» وشركته. وهو في كل الأحوال يشبه أساليب السياسة الأمريكية وتحركات «مجموعات الضغط» أو ما يعرف باللوبيات التي تنشط عادة في المواسم السياسية وأوقات الأزمات في الولاياتالمتحدة، وبما أن كل شيء في أمريكا يجري في إطار «البيزنيس» والخصخصة فليس غريباً أن يجد السيد بارت فيشر وشركته صيداً سهلاً للقيام «ببيزنيس» مع السفارة السودانية انطلاقاً من حاجة السفارة وحكومتها لمداخل إلى بعض صناع القرار الأمريكي. ü ومع ذلك فلنا عدة ملاحظات على هذه الخطوة، إذا ما اكتملت بالفعل ودخلت حيز التنفيذ كما يشير الخبر، أول هذه الملاحظات هو طبيعة العقد المبرم بين السفارة وحكومة السودان من جهة وشركة «بارت فيشر» في الطرف الآخر، فالعقد يقوم على منح الشركة وصاحبها «راتب شهري» قدره 20 ألف دولار لقاء خدماته الاستشارية التي يقدمها في مواضيع تتصل بالتطورات السياسية في العلاقة المعقدة بين واشنطنوالخرطوم، وكما هو معلوم فإن هذه العلاقة غير قابلة للتسوية والتطبيع في وقت قريب، والمسؤولون في الخرطوم لطالما كرروا على أسماعنا عدم التزام الولاياتالمتحدة بوعودها لهم، ويذكِّرون في ذلك بوعود التطبيع ووقف العقوبات ورفع اسم السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب، وعدوا بذلك خلال مفاوضات نيفاشا وأثناء تطبيقها إذا ما التزمت الحكومة بإجراء استفتاء حر ونزيه لتقرير مصير الجنوب، ووعدوا بذلك أثناء مفاوضات أبوجا ومن بعد خلال مفاوضات الدوحة، وفي مناسبات كثيرة أخرى. وطوال سنوات العقد الماضي كان لواشنطن دائماً مبعوثاً لدى الخرطوم، سواء اتصل عمله بالجنوب أو دارفور، لكن كل ذلك لم يقد لتطبيع العلاقات ووقف العقوبات ورفع اسم السودان من قائمة الإرهاب. ü فالعلاقات بين واشنطنوالخرطوم علاقات «مأزومة» بطبيعتها، وحتى عندما يطرأ عليها بعض التحسن فغالباً ما يكون ذلك التحسن «تكتيكياً» ومؤقتاً، ريثما يقضي كل طرف وطره ويحقق غرضهُ لدى الآخر، لتعود العلاقات سيرتها الأولى من العداء والكراهية والشكوك المتبادلة. واشنطن ترى في الحكومة السودانية حكومة إسلامية «مارقة» وتصنفها ببساطة ضمن أو قريباً مما كان يسميه جورج بوش الابن ب«محور الشر» الذي يضم إيران وسوريا وكوريا الشمالية والعراق «سابقاً» و«الأصولية الإسلامية» أينما كانت، والخرطوم من جانبها ترى في واشنطن «رأس الأفعى» للاستعمار والهيمنة الدولية و«الشيطان الأكبر» بحسب التعبير الإيراني. وقبل ذلك كله وبعده فواشنطن جزء من تحالف علني يضم إلى جانب جمهورية جنوب السودان الوليدة عدداً من دول وسط وشرق أفريقيا، تحالف من بين أجندته الكيد للحكومة الإسلامية في السودان و محاصرة حركتها في المنطقة وتحجيم دورها بقدر الإمكان. فماذا عسى شركة واحدة أو بضع شركات تعمل في مجال القانون أو إدعاء القدرة على الضغط أن تفعل في مواجهة عشرات المنظمات واللوبيات الفاعلة والناشطة التي تكن العداء لحكومة السودان وينخرط ضمن تحركاتها نافذون في الإدارة الأهلية والكونغرس بغرفتيه العتيدتين؟! ü لقد كان المسؤول الحكومي الذي استطلعت رأيه الصحافة محقاً عندما قال «إن الحكومة ليست في حاجة إلى شركات أمريكية لتقديم الاستشارات، وإن مبلغ ال(20) ألف جنيه دولار أولى به تقديم الخدمات للمواطنين»، ووصف الخطوة بأنها «غير منطقية». ü صحيح أننا لا نعلم على وجه اليقين كم من الشهور سيستمر السيد بارت فيشر وشركته في قبض ال(20) ألف دولار من سفارة السودان في واشنطن، ولكننا نخشى أن يتطاول الأمر ويرتبط بأمل السفارة والحكومة في وقف العقوبات ورفع اسم السودان من لائحة الدول الراعية للإرهاب، ما يعني تبديداً للمال العام والعملة الصعبة التي يعاني شحها بنك السودان، مما اضطر الحكومة لاتخاذ القرارات الصعبة في مواجهة مواطنيها من المستوردين والمسافرين والمرضى الذين يحتاجون العلاج في الخارج وحرمتهم من التحويل إلا تحت رقابة مشددة وتقتير زائد بحجة ضعف احتياطيها من العملات الصعبة، مما يجعل حالها بإزاء «بارت فيشر» كحال «الأقرع ونزهي» في قول الشيخ فرح ود تكتوك.