الدنيا ليل غربة ومطر .. يوووووووه يتصاعد النشيد ، من أعماق الليل ، يتدفق الغناء على جدول الوتر المرهق بالبكاء وأحزان السنين ، كانت ثمة زخات من أمطار الشتاء تتكور على زجاج سيارة الرجل الهارب من صمته إلى صمته ، وتصنع سمفونية لها أجنحة كنقرات عصفور نزق على سطح من الصفيح. المطر يوووووووووه ، يخرب حلاوة المطر . المطر .. يخرب نعومة المطر . كانت البيوت في قبضة الفجر أكثر بهاء ، كانت تبدو مثل لوحات هاربة من إطار الدهشة ، كانت الامطار الرخوة تجلس على طاقات الشجر ، مثل يمامات الثلج البيضاء ، تكتب توقيعها على القلب ، على واجهات المحال التجارية الخارجة من نعاس الليل ، فتبدو كل الأشياء أكثر وضوحا ، فيما تشكلت صورة الأشجار في ذهنه كقمر هارب من شرفة مهجورة . كان يمتطي سيارته هاربا من فضاءات الضجيج يبحث عن أمكنة مغسولة بالصمت ، أمكنة غير ملوثة ببضاعة اللهاث اليومي المحموم . نسي نفسه وسلم نفسه للطريق السريع فيما كان سيد الغناء يرتل ويرتب الوجدان بنشيج يتناغم مع المطر . الدنيا ليل غربه ومطر وطرب حزين وجع تقاسيم الوتر شرب الزمن فرح السنين والباقي هداهو السفر يوووووووه شرب الزمن فرح السنين والباقي هداهو السفر ، يآآآآآآآآه ، ما زال الرجل يشرب من رحيق الغربة ، يتكيء على إيقاع ، في زمن هارب ، رجل أدمن الغربة حتى نخاع النخاع ، يبوح بقلبه إلى قلبه كغراب هارب من غضبة البحر . ما زال المطر يواصل إيقاعه الرخو ، يشعر صاحبكم العبد لله أن دكانة النعاس تفتح بهوها لإستقباله ، يشد بقايا شعيراته المنتوفه من ضربات الزحف الصلعي ، يريد طرد النوم ، حتى لا يصبح لقمة سائغة لشاحنة أو سائق متهور فيدفع الرجل الهارب من الضجيج فاتورة الرحيل إلى الضفة الأخرى . يستعيد الكثير من سينارويوهات صديقات وأصدقاء يطاردونه بأسئلة محمومة ، وما أقسى الأسئلة المحمومة . إلى متى تدمن الهروب بعيدا ، تأكل من فتات الصمت . إلى متى تجلس على جسر الغربة . مثل شجرة هاربة من الزمن في أغلب الأحيان يهرب من الأسئلة الملحة بوعود يعرف أنها مثل عش غراب على شجرة تصارع الريح ، يعرف تماما أنه لن يستطيع أن يتصالح مع ماكينة اليومي الراهن في دروب ألفها وألفته في زمن مضى ، يعرف أنه ليس هناك ما يبهج ، رجل إعتاد على إيقاع الرحيل والمدن المدهشة ، كتبت له ذات مساء إمرأة مجنونة مثله ، سيدة تعشق المستحيل ، كتبت على بوابة خطواته لحناً حزيناً ، ذكرته ببوح . قولوا للنيل ضفه ضفه والعشيات لما تصفى والنسيمات البتاخذ من عفاف ريدتنا عفه . إختصرها الرجل اللئيم ، لانه صادق مع نفسه ولأن كعكة القلب مخصصة لصديقة « وحيدة » ، صديقة تتداعي أمامها كافة الأحزان وكافة النساء ، كتب عنها ذات يوم « وحدها صديقتي » نعم وحدها صديقتي ولا صديقة غيرها ، يتصالح مع المطر ، ويركن سيارته بجوار مقهي ، يفتح أبوابه حتى مطلع الفجر ، يتناول ساندوتش العشاء الصباحي ، ويكرع ما تبقى من حليب الليل .