خلال العامين 2008و 2009 أُحيل المئات من أساتذة الجامعات للتقاعد لبلوغهم سن الستين وفقاً للقوانين المنظمة للعمل بالخدمة المدنية السودانية . فالكلية التى انتمي إليها وأُدرِّس فيها تقاعد تسعة من الأساتذة برتبة بروفيسور وأستاذ مشارك، وهؤلاء يمثلون 70% من قوى أساتذة الكلية، من الحاصلين على الدكتوراة. والتسعة الذين أُحيلوا كرهاً على التقاعد ابتعثت حكومة السودان سبعة منهم للولايات المتحدةالأمريكية للحصول على درجة الدكتوراة، فى تخصص لا يتعدى عدد الحاصلين فيه على الدكتوراة ويعملون بالجامعات عن الخمسين فى كل أقسام وكليات الجامعات السودانية . فمن المفارقات ورغم قلة المتخصصين فى هذا المجال، لم يتم الإستثناء إلا لثلاثة فقط للعمل سنة بسنة، وفقاً للشروط الجديدة التى لا تعطى الجامعة حق الإستثناء، وإنما لمجلس الوزراء عبر وزارة التعليم العالي، وفى الغالب لا يتم الإستثناء لأساتذة بعض الكليات إلا فى حدود ضيقة، لا تتعدى من 15 -20% من جملة الذين أوصت عليهم جامعاتهم.. وكان من الطبيعي أن يخرج هؤلاء ليجدوا فى خارج بلادهم (مراغماً كثيراً وسعة)، وتستفيد منهم الجامعات الخارجية، وهم أكثر تجربة ونضجاً وصفاء وقوة فى العلم والجسم . بحلول عام 2010 يكون كل الذين تخرجوا فى العام 1973 من الجامعات وفقاً للتعليم النظامى قد بلغوا سن التقاعد على المعاش. فى بعض الدول الأوروبية تناقش برلماناتها قوانين تقترح رفع سن المعاش حتى تتجاوز أزماتها الإقتصادية الماثلة، لأن من يحال على المعاش يحصل على مرتبه الشامل طيلة حياته مع بعض الحوافز، ففى فرنسا مثلاً هناك مشروع قانون لرفع سن المعاش الى 63 بدلاً عن 60 سنة، رغم أن معظم الدول الأوروبية سن المعاش فيها 65 سنة. أما فى الدول العربية ولأنها لم تصلح من قوانين الخدمة المعاشية فيها، والتى ظل البنك الدولى يطالب بها منذ العام 2005 فقد اتجهت معظمها لاقتراح سن المعاش من 65- 70 سنة، ومن المفارقات أن رفع سن المعاش فى أوروبا يسهم فى رفع الأزمة الإقتصادية، وفى دولنا رفع سن المعاش يراه أهل القرار يفاقم من الأزمات الاقتصادية، لأنه يزيد من الصرف على الفصل الأول. رغم الفوائد الكثر للخبرات وتنوعها والمؤهلات وقوتها، فهل يوازن مجلس الوزراء عندما يعرض مشروع تعديل القانون لرفع سن التقاعد الى 65 ما بين الالتزامات المالية الناجمة عن الخمس سنوات المضافة الى خدمة موظفى الحكومة، وبين العائد من خبرات هؤلاء ومؤهلاتهم وإستقرار العمل والأسر؟!