-احتفت الصحف بعبارة أمسح واكسح التى استخدمها السيد وزير الدفاع فى خطابه فى سنار..وأصبحت مادة لكتاب الزوايا والأعمدة ..والبعض تداعى فى رصد تداعياتها التى قد تصل الى اتهام بإبادة شعب الجنوب..يبدو أن عبارة يغنى المغنى وكل على هواه تكون مكلفة فى أحاديث السياسة والساسة..قدامى السياسين السودانيين كانوا يفطنون الى الكلمة فكان حديثهم بالقطارة ، الجنرال الراحل(ابراهيم عبود) والذى رغم إنه أطاحت به ثورة شعبية ظل يضرب به المثل فى الزهد والعفة والتواضع ، لم يكن عبود مولعاً بالحديث يتحدث مرة واحدة فى السنة فى اعياد17 نوفمبر ويتراوح خطابه بين الخمس دقائق وربع ساعة ، وغالباً ما يبدأه بعبارة مواطنى الاعزاء يطيب لى .. أما النميرى وابوالقاسم محمد ابراهيم فكانا يتحدثان ويخطبان يوماتى..مما أصابنا بالملل حتى إن استاذ الاجيال(على شمو)عندما كان وزيراً للإعلام منع وسائل الاعلام من تقديم خطب الرئيس إلا بعد الرجوع اليه ، وكان تبريره الذى وجد قبولاً عند نميرى ذاته إن كّثر الطلة ..ستحرق الرئيس لكن بعد أن غادر شمو الوزارة (انبهل) الكلام وأصبح وزراء الاعلام يتبارون فى تقديم الرئيس على رأس الساعة ، ولعل ذلك مما عجل برحيله فى آخر ايامه(رحيله عن السلطه فى ابريل)..وقد لعبت الصحف الفنية على كلام الفنانين تخلق منه أخباراً ومشاحنات وملاسنات تروج بها سوقها.. والكلمة حين تخرج لا يمكن اعادتها ثانية مثل طلقة البندقية تماماً..وفى الاحياء والمؤسسات عرف أناس بعينهم يطلقون الكلام على عواهنه..وعندما يفاجأون بمغبة كلماتهم يسقط فى ايديهم ..أذكر مرة أن كان لدينا صديق من هذا النوع ..وفى ذلك الزمان لم تكن النعرات العنصرية مهمة فكنا نتصادق طويلاً دون أن نعرف أنتماء بعضنا القبلى إلا إذا كان الشخص يحمل اشارات قبلية مثل الشلوخ ،، أو الازياء أو اللهجة العربية (المكسرة)..وبينما كنا نتسامر جاءت سيرة الحلفاويين فصب عليهم صديقنا الاشتر جام سبابه..وصفهم بالمتحررين والباردين..ولم يترك صفة إلا والصقها بهم..وكان صديقنا الثالث يعرف إنتمائى الجهوى فتضايق وأحرج ، فما كان منه إلا أن آشار الىّ وقال له: « ياخى الزول ده ما حلفاوى» ..فصمت وبعد برهة لم يملك إلا أن يقول : «على الطلاق ماحلفاوى» فضحكنا ونسينا..نفس الرجل وكانت حينها تنتشر محلات الآلة الكاتبة والمطلوبة شهاداتها للتوظيف فى آروقة الدولة..وكان صديقنا هذا ضعيفاً أمام الحسان وكنا أمام معهد الآلة الكاتبة فخرجت حسناء «تقول للقمر بادلنى» ولا يلحظ الفرق بعد المبادلة .. المهم أمام حسنها وجد نفسه يتقدم نحوها..وسلم عليها وسألها انتى بتقرى فى المعهد ده ؟ ..فردت بالايجاب فلم يجد ما يقوله لكنه بشلاقة سألها: « سرعتك كم فى الدقيقة ؟ » .. فضحكت حتى (شرقها) الضحك..عموماً تظل الكلمات خاصة إن كانت مسجوعة أو كانت غريبة أو ممعنة فى الشعبية حكايتها حكاية .. حتى إن زميلنا الحبيب حيدر المكاشفى تساءل محتاراً: « دى يترجموها كيف؟» .. أعتقد إنه لا مناص من ترجمتها حرفياً ومن ثم يجتهد الخواجات فى التعرف على ملامح تراثنا..وبعض ثقافاتنا المتمثلة فى مثل هذه العبارات مثل «لحس الكوع» .. « لقيط النبق» .. « تمومة جرتق» ..الى آخره..ويقول المثل لسانك حصانك..لكن أعتقد إنه فى مثل هذه الحالات يكون لسانك حمارك..لأنه قد (يفنجط) بيك ..وقد يحرِن..مع إيمانى بأن هنالك السنة تشبه بعض الحيوانات فقد يكون اللسان قرداً يطلق المضحك من الكلام..وقد يكون قطاً يطلق مواء رتيباً مملاً ومضجراً..وقس على ذلك.. عموماً يطلق مجتمعنا لفظاً كاريكاتيرياً وهو «لسانو فاكى» وهو مثل العين الحارة ..واليد الطويلة ..والكراع الحارة ورفع النخرة ..مع إنهم ايضاً يقولون «لسانو طويل» ..اللهم اجعلنا من الذين يقولون خيراً أو يصمتون !