ظهرت جماعات تتحدث باسم العلماء ورجال الدين، وأخرى تضفي على نفسها صفات الشرعية، كأنما غيرها غير شرعي، وظل ظهور تلك الجماعات في مناطق الظل والعتمة أمراً لا يشغل بال أحد طالما أنها لا تعمل في أطر المفاسد وترفع رايات وشعارات الإصلاح بين الناس. ظهرت هذه الجماعات وخرجت من مناطق الظل إلى دوائر الضوء، وما عاد صوتها هامساً خافتاً يدعو للحق ويأمر بالمعروف وينهى عن المنكر، بل ارتفعت أصوات منسوبيها الذين صادروا حق الآخرين في الفكر والاجتهاد وأخذوا يوزعون شهادات الكفر عن اليمين وعن اليسار، كأنما يمسكون بصكوك الغفران لمن أرادوا. لا نعرف باسم من يتحدث هؤلاء، ولا يعلم أحد تحت أي قانون نشأت هذه الجماعات، فلا هي جمعيات فكرية ولا هي أندية ثقافية، ولا منظمات سياسية، ولا نعرف لها مظلة تنتمي لها أو تحتمي بها، لذلك نريد من الدولة أن تتدخل فوراً لإيقاف هذه الفوضى، وأن تحدد الدولة جهة أو مجلساً أو هيئة يكون الافتاء اختصاصها، لأن فوضى الافتاء، وفوضى التكفير تؤدي إلى خراب الدولة وقيام المنظمات «غير الشرعية» التي تواجه بعضها بعضاً، والتي تطلق الأحكام الجزافية وتشعل نيران فتنة لن تحمد أبداً. كفانا ما نعاني، وعلى الدولة بكامل قيادتها ومؤسساتها أن تتدخل حتى توقف حرب التكفير التي اشتعلت نيرانها فأخذت تقضي على «أخضر» الصوفية ولا تبقي على «أسود» المتشددين. الدعوة الآن نوجهها للبرلمان ولجانه المختصة للتدخل، ومراجعة القوانين وتقديم مقترحات ومشروعات قوانين جديدة تنظم عمل هذه الجماعات العشوائية في الجانبين، لأن الذي يحدث الآن إن كان بفعل فاعل أو جاء مصادفة، فإن نتائجه وخيمة، ولا نرى أنه وقع هكذا بمحض الصدفة، إذ لابد أن هناك جهة ما عبثت بيدها في صندوق الحساسية العقائدي لدى هؤلاء وأولئك، فأخذ البعض يهاجم ويهاتر ويكفّر غيره كأنما احتكر الدين لنفسه، وصادر حق الاجتهاد. مصيبة قصار النظر عندنا أنهم لا يقرأون التاريخ ولا الوقائع ولا يعرفون مغبة ما يقودون الناس إليه، ولا يتخيلون النتائج الكارثية المترتبة على تحريضهم لطرف على الآخر أو العكس. نحن نكاد نرى الحمم تحت فوهة البركان وداخله يزمجر في انتظار الإنفجار، لذلك ؛ ننبه كل غافل بما نبه به الشاعر الخليفة الأموي بداية اشتعال نيران ثورة العباسيين عندما قال: أرى تحت الرماد وميض نار ويوشك أن يكون لها ضرام وإن النار بالعيدان تذكى وإن الحرب أولها كلام فإن لم يطفها عقلاء قوم يكون وقودها جثث وهام أقول من التعجب ليت شعري أأيقاظ أمية أم نيام ؟ ونختم بأنه إن لم يستيقظ النائمون.. فقل على الدنيا السلام.