لسنا فقهاء في الدين.. وفي ذات الوقت لسنا من «العوام».. والحصيلة العلمية والفكرية التي نحملها ومن واقع قراءتنا لتاريخ العالم الإسلامي فإن كثيراً من العلماء يقولون إن واحدة من مظاهر تفسخ «الدول» واضمحلال «هيبة السلطان» تكمن في سيادة روح «التكفير وليس التفكير» والانتشار الكثيف للممل والجماعات كل يدعي أن الحق بجانبه.. وعصور الانحطاط الإسلامي على مر التاريخ كانت تعج بمثل هذه الممارسات والسلوكيات والجدال الفكري في قضايا ليست ذات بال!! ونقاشات ومساجلات مثل قول بعضهم أيهما الأولى الدجاجة أم البيضة؟! والقوم في هذا الجدل والسفسطائية كانت جيوش الأعداء تدك أبواب عواصم ومدن الممالك الإسلامية وتزيلها من الأرض مملكة وراء مملكة ومدينة خلف مدينة.. لقد بكى آخر خلفاء الدولة الإسلامية في الأندلس عندما رأى أُفول آخر يوم في دولة آبائه العظام الذين شيدوها بالقوة ثم بالعلم والتسلح بالوعي والمعرفة، فأضاءت دياجير الظلام لقرون عديدة ولا زالت آثارها باقية وموجودة ومصدراً من مصادر السياحة والدخل لتلك الدول التي تعتبرها تاريخاً و تراثاً لها!! بكى ذلك الخليفة ولم تدعه أمه يكمل بكاءه وحسرته وقالت قولتها التي خلدتها كتب «العبر» والتاريخ: لا تبك كالنساء ملكاً لم تحافظ عليه كالرجال!! الآن لم نصل لتلك الحالة ولكننا نرى تحت النار وميض نار ونخشى أن يكون لها ضرام!! فمناخ التكفير والتخوين يملأ الساحة ويسد الأنوف ويجعل النفس مشمئزة.. «هذا يكفر» وهذا يشتم وذاك يدعي الحق!! نسمع عن روابط وعن جمعيات وفتاوي ونسأل «أين السلطان» والصولجان الذي يراقب بعين «حمراء» كل متعدٍ على الخطوط الحمراء، خطوط الفتنة وإشاعة البلبلة والفوضى وإظهار الأمر كأنه «جبانة هايصة» لا رقيب عليها ولا ضابط ولا آمر!! نظرية المؤامرة أحياناً مفيدة ولا بد من استدعائها ومعها السؤال التآمري هل كل هذه الأحداث الأخيرة- لا أقصد الأحداث السياسية والحروب في جنوب كردفان والنيل الأزرق وأبيي وأحداث المناصير- ولكنني أسأل عن أحداث الفتن الدينية التي تظهر هنا وهناك؟ من الذي يحرك كل هذه الفتن والقلاقل؟.