تقول التنبؤات والمعلومات المتاحة إن تونسية الرئيس بشار الأسد ستقلع، ولكن في أجواء غائمة وغير خالية من المطبات الهوائية وخلافها، فهي وبكل الحسابات والتقديرات تختلف عن تونسية ابن علي- والرئيس المصري مبارك- والليبي معمر القذافي- فقد أقلعت تونسية كل من هؤلاء في ظروف ومناخات وأجواء أقل كُلفة بشرية ومادية وسياسية وزمنية لاريب. الأزمة والانتفاضة الشعبية في سوريا دخلت هذا الأسبوع شهرها الثاني عشر أي امتدت لعام كامل.. وحدث فيها ما حدث من خسائر في الأرواح، والنسيج الاجتماعي والسياسي، والموارد والبنيات، والدور السوري في محيطه العربي والإسلامي والدولي، فقد كانت سوريا حاضرة في ذلك كله، ولكنها الآن تعاني من عزلة داخلية وخارجية، بل وصل بها الأمر إلى الجامعة العربية أولاً، حيث كان للجامعة بروتوكول خاص بمعالجة الشأن السوري، إلا أنه فشل جراء المكابرة والعناد اللذين اشتهر بهما نظام حزب البعث العربي الاشتراكي، الذي احتكر السلطة، والثروة، والسياسة، والجيش، والحياة العامة، بشكل عام في الجمهورية العربية السورية، التي حكمها وجلس على مقود السلطة فيها لأكثر من أربعين عاماً..! وثانياً: أي بالأمس القريب، كان الأمر قد وصل عبر المجموعة العربية إلى الأممالمتحدة، التي كان لها قرارها بشأن الوضع في الجمهورية العربية السورية، وقد كان ذلك بأغلبية 137 صوتاً، ولم يقف ضده غير اثني عشر عضواً، وامتنع عن الحضور سبعة عشر عضواً فقط.. ومن ثم كان النظام السوري في عزلة حقيقية، بل إن نص القرار المذكور كان قد تطرق بالذكر والنص إلى جملة أمور منها: أولاً: إدانة النظام بالإبادة وخرق القانون الإنساني، الأمر الذي ربما أفضى برئيسه وقادته إلى المحكمة الجنائية الدولية ثانياً: وقف المواجهة العسكرية وسحب الآليات ثم تنحي الرئيس وفتح الباب لحكومة تجمع سائر الأطراف. وبالعموم فإن المجتمع الدولي سيسند المجلس الوطني للثورة الشعبية بعد الاعتراف به، وتقديم كل التسهيلات الممكنة له، ويجعل منه بديلاً لنظام البعث الاشتراكي الحاكم. وبعد صدور ذلك القرار- (غير الملزم)- فقد دعا الاتحاد الروسي- وهو الصديق والحليف المقرب للنظام- إلى حوار في عاصمته (موسكو) يجمع بين الحكومة والثوار أي يمهد الطريق إلى حل سياسي يمثل (أقرب المسالك) وعلى النحو الذي يرضي النظام ويرضي حليفه الأول.. الاتحاد الروسي..!! ولكن: هل إلى ذلك من سبيل، والطرف الآخر ينظر إلى النظام الروسي نظرته إلى النظام الحاكم في سوريا.. إذ يعتبر ان روسيا غير محايدة، وربما شريك في ما يجري من قبل النظام تجاه شعبه؟! من ناحية أخرى دعت جمهورية الصين إلى وقف العنف ورأب الصدع والبحث عن حلول سياسية فهي تعارض التدخل الدولي والحلول العسكرية لهذا النوع من الأزمات الدولية، ومن هنا ينظر إليها الثوار في سوريا على نحو أقل حدة وخصومة، وإن كانت هي الأخرى قد تضامنت مع الاتحاد الروسي في استخدام حق النقض (الفيتو) ضد المقترح الذي تقدمت به الجامعة العربية. ورغم أن الجمهورية الإسلامية في ايران وثيقة الصلة وتبادل المودة والخصوصية مع النظام السوري للرابطة العقدية والسياسية المعروفة بين الطرفين، فإنها فيما يبدو، لاذت بالصمت، وربما كان ذلك لأن (ما فيها مكفيها) كما يقولون.. فافصاحها في ذلك الشأن ربما كان يضر بالأسد وحزبه أكثر مما ينفع، ذلك أنها متهمة (جماهيرياً) في سوريا بأنها تقدم الدعم الفني واللوجستي والمادي لما يقوم به نظام الأسد ضد شعبه. على أنه ومع ذلك لعل من استمع إلى السيد حسن نصر الله أمين عام حزب الله في لبنان مساء الخميس، وهو يخاطب اعضاء حزبه ومناصريه عبر قناة (المنار) في الشأن السوري والشأن اللبناني والصلة والعلاقة بينهما كبيرة، يجد أن الشيخ نصر الله قد أفاص وبحبح في: ü دعم حزبه للنظام الحاكم في سوريا في أزمته الحالية مع المعارضة والانتفاضة السورية وقبل ذلك بطبيعة الحال. ü ثم لم ينكر صلته بالجمهورية الإسلامية في ايران ودعمها له المادي والعسكري والسياسي واللوجستي، وقد ربط نصر الله ذلك كله بموقفه الثابت ضد العدو الصهيوني، وموقفه الثابت أيضاً من الدفاع عن أمن واستقرار بلده (لبنان)، الذي يقع تحت ظل المهدد الاسرائيلي، وفضلاً عن ذلك قال نصر الله متهماً الربيع العربي بأنه صناعة أمريكية إسرائيلية.!! السيد نصر الله هنا وهو حليف وأداة ربط واتصال مع الجمهورية الإسلامية في إيران وحلفائها ومنسوبيها في المنطقة- وهو يعترف بمناصرته للنظام الحاكم في سوريا- يرسل إشارة أخرى لمن يتابع الشأن السوري ويبحث فيه، ويحلل مضمونها ومحتواها - كما سلفت الإشارة من قبل - تونسية بشار الأسد ونظامه الحاكم في سوريا تختلف عن تونسيات الآخرين، التي أقلعت براكبيها بسلام وحطت بهم خارج السلطة، وقد مضى على رحيلهم الآن عام كامل. إن ثمة غيوماً وأجواء غير ملائمة في سماء الربيع العربي السوري هي التي أعاقت اقلاع تونسية الأسد وأخَّرته لعام كامل وهذه حقيقة.. ولكن ثمة مؤشرات تقول بأن تلك الأجواء آخذة في التغيير ورغم كل شئ.. وذلك أن صورة الأسد ونظامه قد تتبدل خلافاً لما قال عنه السيد نصر الله في كلمته مساء الخميس، واصفاً إياه بأنه ضد العدو الصهيوني، وهو ما نفته الوقائع الأخيرة في بلده سوريا، حيث قتل من شعبه ما يقارب العشرة آلاف نفس، وجرح وأعاق ضعفها، وهو مالم يفعله مع العدو الاسرائيلي الذي ظل جاثماً على أرضه- (الجولان)- لما يربو على خمس واربعين عاماً، وقد حط ذلك من قدره وقدر حزبه ونظامه، وربما نال من مصداقية أمين عام حزب الله التي عرف بها. ولم ينس نصر الله في كلمته تلك أن يعوِّل على ما يدعوه الأسد إصلاحاً وصلحاً ومنه مبادرة الاستفتاء المزمع على وثيقة الدستور والهيئة التشريعية المنتخبة، والتنازل عن احتكار السلطة والثروة والمجتمع والسياسة في سوريا لحزب البعث العربي الاشتراكي. وهنا أيضاً لا تلوح حتى الآن بادرة ثقة بالأسد وبما يطرح، وجيشه وأمنه يمارسان دورهما المستمر في العنف والقتل. لقد ظل الأسد ومنذ اليوم الأول لاندلاع ثورة التغيير الشعبية في سوريا يراهن على العنف وسحق الآخر، والدعم السياسي والدبلوماسي والعسكري، الذي يتدفق عليه من حلفائه، روسياوايران وحزب الله.. إذ كان يصرح بين الحين والآخر بأن عدم الاستقرار في بلده (سوريا) يعني عدم استقرار للمنطقة بكاملها.. وليس النظام الحاكم في سوريا وحده شأن أنظمة وبلاد أخرى كانت انظمتها قد (ركبت التونسية..!) والعبارة الأخيرة من عندنا.. فكل حساباته وتقديراته كانت تقول بأنه لن يركب التونسية ..! الآن وبعد كل ما جرى وحدث تقول القراءة الصحيحة للأجواء والمتغيرات المناخية السياسية والدبلوماسية والعسكرية في سوريا، الاقليم والعالم، إن تونسية الأسد ليس أمامها غير أن تقلع، لا سيما وأن السيد رئيس مدرسة الطيران الحربية في الجيش السوري، قد التحق قبل أيام بمجموعة الجيش السوري الحر والثورة الشعبية ضد نظام الرئيس الأسد.. فهو بحكم المهنة والمركز يعرف كيف يقود طائرة كالتونسية، التي سبق لها من قبل أن حملت بن علي ومبارك ثم القذافي، وإلى حد كبير علي عبدالله صالح الذي يستشفي الآن في واشنطون، وسط تظاهرات يمنية ترفض وجوده هناك. وإن المعارضة والثورة في سوريا تتسع الآن دائرتها بين يوم وآخر، وساعة وأخرى، وفي العالم العربي صار نظام الرئيس الأسد منبوذاً جراء أفعاله، حيث سحب الكثير من البلاد العربية سفراءهم من الجمهورية السورية وطردوا سفراء سوريا لديهم، ومن ثم انقطعت الصلات والاتصالات والمعاملات باشكالها المختلفة من دبلوماسية وسياسية واقتصادية.. الخ.. وزادت على ذلك انها اعترفت بالمجلس الانتقالي السوري بديلاً للنظام الحاكم. وخطوة كهذه- تبعتها خطوة أممية تمثلت في قرار الأممالمتحدة الأخير- وفي الدعوة لأصدقاء سوريا في العالم لابد أن يكون لها تأثيرها وصداها على الدول التي اعتمد عليها النظام السوري في أزمته مع شعبه ومواطنيه، التي استمرت لعام كامل، حيث للمصالح حساباتها وتقديراتها عندما يحين وقت جرد الحساب وتدارك الخسائر.. والحال هكذا فإن إقلاع تونسية الأسد فيه رحمة ومصلحة لهؤلاء أكثر من غيره، فلتقلع بسلام وتهبط بسلام أيضاً.