الموت هو سنة الحياة وهو أجل الله الذي كتبه نهاية لحياة كل مخلوق على وجه هذه البسيطة.. والموت له رهبة كبيرة.. وهو عظة للناس ليرجعوا للحق ويتوبوا عن الباطل. ولكن كلما تقدَّم بنا الزمان خفَّت حدة البكاء.. وعويل النساء.. وصرخات «الفتيات».. وحتَّى أيام «الفراش» قلَّت عن السابق وأصبحت يوم أو إثنين على الأكثر.. وكل هذا نتج عن انشغال الناس بأمور الدنيا وضيق الزمن وسرعته وتخفيف المصروفات عن «بيت البكاء» حتَّى لا يكون موت «وخراب ديار».. والجفاء الذي نبتت أذرعه بين الناس.. وأيضاً هناك كثيرون يرفعون العزاء بانتهاء «مراسم الدفن». ولكن ما شدني حقاً ما رواه لنا أحد الزملاء بالموضة الجديدة في «بيت البكاء».. وهذه الموضة ظهرت في بعض أحياء الخرطوم «الراقية».. وسط الطبقة «الهاي».. فقد قامت بعض النسوة.. عفواً أقصد «السيدات» لأن كلمة نسوة لا تتماشى مع تلك الطبقة.. فقد قامت السيدات بعمل موضة جديدة تخص تلك الطبقة.. فهذه الموضة هي إحضار سكرتيرة لمواعيد العزاء للسيدات.. أي أن الواحدة منهنَّ ومنذ إطلاق العزاء تكون مهمة السكرتيرة عمل جدول للائي يحضرنَّ للعزاء.. فمن حضرت في الفترة الصباحية ووجدت نصيبها من أخذ العزاء فقد «عملت العليها».. ومن جاءت في وقت راحة «ست بيت البكاء» تكتب تلك السكرتيرة اسمها وتعمل لها مواعيد أخرى لأن «المدام» الآن في وقت الراحة ولا تستطيع مقابلتها.. وعليها الحضور في وقت لاحق.. أياً كان الميت لتلك السيدة «زوجها، ابنها، امها، ابوها.. الخ».. ومهما كانت الصدمة التي تعيشها تلك السيدة فعليها بالسكرتيرة أولاً.. ولا أظن أن هناك سيدة تعاني من فقد عزيز عليها ويكون «بالها» في أن تحضر سكرتيرة لتُنظِّم لها مواعيد «المُعزيات».. وتعيش في«مود معين».. وهذا كله من أجل «البوبار» الذي أفقد الناس عاداتهم وتقاليدهم... وأخذ منهم أجمل صفات السودانيين.. من طيبة وصفاء النفس والبشاشة ومعاملة الناس بأحسن ما يكون كما وصى بها الإسلام.. وأنا على يقين بأن هذه الموضة أو«الآفة» الجديدة ستأخذ طريقها إلى باقي الأحياء وستزول العادات والتقاليد السودانية إلى ما لا نهاية.. وربنا يحفظنا ولا يبدلنا ولا يغيرنا.