وما زلنا «نتحاوم» في أحياء الفاسدين الراقية المترفة.. وما زلنا في دهشة.. أو حيرة رهين المحبسين.. ذاك الذي أعياه الحديث.. وتأبت عليه الحروف.. وتمرد عليه اللسان.. ثم نطق.. ماذا أقول والوحش ترميني بأعينها، والطير يعجب مني كيف لم أطر.. وأنا والله أشد منك دهشة وحيرة.. وعجز.. كيف لا أكون مذهولاً.. وأنا أرى من كان يحلم بأن يسعده الله الرازق الرزاق.. وتجري في يده بعض «القروش» ليشتري لأسرته «كيلو» موز.. والآن يتبدد ذلك الحلم الذي كان من الأماني المستحيلة.. ثم يصبح حقيقة.. لا ليشتري ذاك الكيلو من الموز بل ليشتري الفارهات من السيارات.. والبديع من شاهق العمارات.. نعم هذه هي أسباب حيرتي.. ولكن لن استسلم لليأس والاكتفاء بتحمل تلك النيران المشتعلة داخل صدري.. فقد تقدمت بل «إخترعت» أكثر من وسيلة وآلية لمكافة الفساد.. ولم تنجح أي منها.. كانت آخر محاولاتي.. هي محكمة المرايا.. والتي تعتمد في أحكامها ونهجها على بعث دفقات من دم الى «الضمير»، ومحاولة جادة لإنعاشه.. أو استيقاظه.. واليوم أحبتي نجرب آلية أخري علها تنجح فيما فشلت فيه جميع الآليات.. اليوم نكتب عن آلية «الأسرة» والمكونة من الزوجة والأبناء «بنات وأولاد» وقبل أن ينزلق زورق الآلية هذه لابد من مقدمة صغيرة.. ليعرف الفاسد أو المختلس،، أو «الحرامي» عديل كده.. إن هذا المجتمع السوداني يمتاز ويتميز بخاصية فريدة لا أظن أن مجتمعاً في كل الدنيا يشاركه فيها.. هي تلك الحياة السهلة.. والعلاقات الإنسانية المفتوحة..ومجتمعات بلا جدران، وتلاقي بلا خصوصية.. «يعني» تتواصل المعرفة التامة بك من كل الذين كانوا معك تلاميذاً من مرحلة الأساس وحتى الجامعات.. وإن جيرانك يكادون يعرفون عنك ما تعرفه أنت عن نفسك.. ويعرفون عنك ما يعرفه تماماً أي فرد من أسرتك الكريمة. وندخل في الموضوع.. ونبدأ بالزوجة.. أعلمي يا أختاه.. إن كل «نسوان» الحلة.. يعرفون عدد ثيابك والتي تقع بين منزلة ثوب «البولستر» وثوب الجيران.. يعرفون إن كل الذي «يلمع» من أساور وختم وخاتم «نص الجنيه» هي «صفر» مطلي بالنحاس.. وتعرف جاراتك في «الحلة».. إنك كنت تتعذبين عذاب الهدهد.. من ركشة لي ركشة ومن حافلة لي حافلة.. شلهتة وتلتلة في المواصلات العامة.. يعرف هؤلاء النسوة.. إنك كنت مثلهن تماماً تخرجين تلبية لنداء «بكسي» الطماطم والخضار.. لتشتري ما لا يملأ «كيس» ولا يزن أكثر من اثنين كيلو.. ثم يفسد زوجك.. وتجري الأموال بين يديه وبين يديك.. ويتحول ذاك البؤس والفاقة والمسغبة إلى ترف اسطوري تتغير «الشباشب» المستجلبة من سعد قشرة.. البلاستيكية البائسة الرخيصة الى آخر صيحات الشباشب والأحذية الايطالية المصنوعة من الجلد الأصلي.. تتحول ثياب «الجيران» الى آخر ما أنتجته سويسرا.. وآخر ما استورده «عبد الصمد» من التواتل السادة والمشجرة في قلب لندن.. ويعرف هؤلاء النسوة جيران «الحلة» إنك بعد الآن لن تشاهدين وأنت في ركشة أو دفار أو حافلة.. فهناك السائق الخاص.. بلبسه الأنيق وكأنه موظف في سفارة، والعربة ذات الدفع الرباعي.. أو تلك التي تنزلق في سلاسة الأسفلت.. طبعاً لن تخرجين لنداء «بكسي الخضار» حتى وإن ظل ينادي أمام «عمارتكم» من دغش الرحمن وحتى يغادر آخر شعاع للشمس أفق حلتكم.. هذه مهمة الطباخ.. الذي يذهب فجراً الى السوق المحلي.. مستغلاً «البوكس» المخصص فقط للخضار والخراف.. وكل لوازم المنزل. والآن لكم أن تسألوا وأين الآلية.. آلية مكافحة الفساد.. الآلية أحبتي.. هو أن تعلم هذه الزوجة- زوجة الفاسد- إنها في أي حضورلها «ونسة» «نسوان» الحلة.. وإنها تأكل حراماً وتلبس حراماً.. وتشرب حراماً.. و «راجلها» ذاتو حرامي.. ولكن كيف تسمع كل هذا.. والأمر أمر «قطيعة».. لا.. حتماً تسمع إما عبر «شكلة» مهيبة مع أي من «نسوان» الحلة.. أو عبر صديقة مخلصة.. تنقل لها كل الذي يتحدث به الناس في غيابها.. وهنا.. يمكن أن تواجه زوجها- والذي هو الفاسد- أو تطلب الطلاق.. أو أن تهز هذه «القطيعة» شخصيتها وترجها رجاً.. لتصاب بالأكتئاب الذي يقود الى «جنها».. وعندما.. يكون السبب هو زوجها المفسد.. والذي بدوره يمكن أن يتوب.. ويعيد كل المال المنهوب الى الدولة.