جاء في الصفحة التاسعة من جريدة «آخر لحظة» الصادرة يوم الاربعاء السابع من مارس 2012 خبر صغير في حجمه على الورق، كبير في معناه واثره على الحياة العامة وعلى البلاد الآن ومستقبلاً. الخبر بعنوان «مهرجان ليالي السودان في مايو المقبل» ومفاده أن الأستاذ السموأل خلف الله وزير الثقافة الاتحادي قد أعلن عن تنظيم مهرجان ليالي السودان الثقافية بالخرطوم في مايو المقبل، بمشاركة كافة ولايات السودان، وتحت رعاية النائب الأول لرئيس الجمهورية، ودعم من شركة زين للاتصالات. وأوضح أن الأستاذ السموأل خلف الله قد التقط الفكرة من توجيه النائب الأول الأستاذ علي عثمان محمد طه في مهرجان البحر الأحمر- وعلى الهواء مباشرة- عندما طالب بأن تشمل مثل هذه المهرجانات كل الولايات، وجميل أن يكون وزير الثقافة بهذه الشفافية، ولأن الخبر مثير كانت كلماتنا هذه. أولاً: نشيد بثقافة الرعاية والدعم التي انتشرت في الآونة الأخيرة، ونشيد بجهود مؤسساتنا وشركاتنا الكبرى ومؤسسات المجتمع المدني، التي أدركت أخيراً دورها تماماً، وبدأت في المشاركة الفاعلة في فعاليات المجتمع رعايةً ودعماً. ثانياً: نؤمن على أن مثل هذه المهرجانات دائماً ما تكون فرصة للتنافس واظهار المواهب الحقيقية، التي أرهقها وأقعدها بعدها عن المركز، ونضم صوتنا الى معالي الوزير، وننادي بتضافر الجهود، والمساهمة الجادة من المبدعين والمهتمين بشأن الثقافة، لعكس النشاط الثقافي لكل ولاية. ثالثاً: إن التنافس في شتى ضروب الفنون والابداع من شعر، وغناء، وعزف، ورقص وفنون شعبية مطلوب، ولكن لابد أن يكون هناك هدف من كل هذا. لقد شهد السودان مثل هذه المهرجانات الثقافية منذ حكومة عبود، ومروراً بحكومة مايو ومهرجانات الثقافة الشهيرة، وكان نتاجها فنانون أو قل على سبيل الدقة مطربون شيدوا الساحة الفنية حيناً. نحن لا نشكك في مساهمات المطربين الذين كانوا نتاجاً مباشراً لتلك المهرجانات، ولكن هل هذا هو الهدف فقط من إقامة مثل هذه المهرجانات؟! وحتى لا نكون من زمرة اولئك الذين يطرحون الأسئلة فقط، نقدم تصورنا التالي عله يكون دليلاً للمهرجان. باديء ذي بدء أن الوقت من الآن الى مايو ليس كافياً لتنفيذ هذا التصور على أرض الواقع، ولهذا فالمعني بهذا التصور المهرجانات القادمة. التصور ينبني على أن يكون الهدف من المهرجان هو بلورة هوية الإنسان السوداني، حفاظاً على ما تبقى من الوطن، وأملاً في استعادة ما فُقد، استعداداً لوحدة قوية قادمة بإذن الله، فالنكات القبلية فرقتنا والدعوات الجهوية مزقتنا. نريد مهرجانات تتيح لكل ولاية من الولايات إبراز مساهمات أبنائها ومثقفيها، في بلورة الشعور الوطني، وفي تكوين هوية إنسان السودان منذ قديم الزمان. المسألة ليست صعبة، فما على كل ولاية يقع عليها الاختيار لتكون مقراً للمهرجان، إلا أن تستعد استعداداً كاملاً، وتستنفر كتابها ومثقفيها «كلٌ في مجاله» لتأليف الكتب التي تبين تاريخ وجغرافية وتراث الولاية ماضياً وحاضراً، واتجاهات الحركة الثقافية والفنية والرياضية والاجتماعية والسياسية للولاية، ودورها في بلورة الشعور الوطني العام واسهامات رموزها في الحركة الوطنية والاجتماعية والثقافية والفنية والسياسية للسودان عموماً، وعند إقامة المهرجان في تلك الولاية تكون تلك الكتب قد تم تأليفها وتوزع على الجميع.. وفي الدورة التالية والتي تكون- بالطبع- في ولاية أخرى تتم مناقشة المؤلفات التي قام بتأليفها مثقفو وكتاب الولاية التي أقامت المهرجان السابق، ويتم تقديم أوراق علمية ودراسات لكل ما تم تقديمه في المهرجان السابق، من فنون استعراضية، ومسرح، ونتاجات أدبية، وثقافية، وفنية، وتبيان أثرها في بلورة الشعور الوطني العام لإنسان السودان وموقعها في خارطة الهوية السودانية. نحن بحاجة الى هدف وطني عام يجمعنا جميعاً، فقد ضاعت البوصلة.