مقتل المواطنة عوضية عجبنا بالديم، قبيل احتفالات العالم بيوم المرأة العالمي بيومين فقط، جعل من المرأة السودانية محط أنظار كل الدنيا في تلك المناسبة الكبيرة، وجعلها شهيدة وقديسة تدفع ثمن أخطاء (الرجال) وتروح ضحية للمطاردات دون ذنب جنته سوى أنها تقيم في ذات المكان موقع الحادث والمطاردة. الرواية الأولى والوحيدة تقول بأن الشرطة- والمعني بها شرطة أمن المجتمع- كانت تطارد اثنين من المخمورين عند منتصف ليل الثلاثاء الماضي، فتعرضت دورية المطاردة لهجوم من بعض المواطنين المسلحين بالعصي والحجارة، الأمر الذي اضطر دورية شرطة أمن المجتمع إلى تخويف المهاجمين بإطلاق أعيرة نارية في الهواء، إلا أن عياراً أصاب المرحومة الشهيدة عوضية عجبنا، ولم تفلح محاولات إسعافها لتسلم الروح بعد ذلك بقليل. لا نريد أن يمر الأمر- هكذا- دون حساب أو عقاب، ونطالب بأن تكون خطوات التحقيق والتحري والمحاسبة مكشوفة وشفافة، لأن ما حدث ليس بالأمر السهل، ولن يكون، بل ومن المؤكد أن له ما وراءه إن لم تتم معالجة الأمر بحكمة ووعي ومنطق. نقول إن ما حدث ليس بالأمر السهل، لأنه ليس من المنطق أن تنطلق دورية شرطة خاصة بأمن المجتمع، وهي مدججة بالأسلحة النارية (المحشوة) والجاهزة للإطلاق، لمطاردة اثنين أو ثلاثة أو حتى عشرة من السكارى، وهؤلاء لا حول لهم ولا قوة، ليس من كانوا يترنحون أثناء جريهم الليلي ذاك في حي الديم، بل عموم السكارى الذين يقول لسان حالنا المجتمعي عنهم إنهم في ذمة الواعي، ويقول البعض عنهم واصفاً عدم قدرتهم على أداء شيء- سوى الكلام- ب(اللسان بليلة والحيلة قليلة).. ومع ذلك، ومع إمكانية القبض عليهم دون صعوبة، نقول إن العقوبة الشرعية (الحد) لشارب الخمر هي الجلد، وسلاح العقوبة هو (السوط)، فإذا كانت العقوبة هي (الجلد)، فكيف تكون المطاردة بالسلاح الناري؟! ما حدث ليس بالأمر السهل، ولابد من معالجات عاجلة أهمها ما طالب به أهل الشهيدة عوضية عجبنا، وهو اعتذار واضح وعلني من الشرطة ومعاقبة مرتكب أو مرتكبي هذا الجرم الفظيع. محاولة تخويف (مثيري الشغب) وهذا هو المصطلح الذي درج البعض على استخدامه في مواجهة المحتجين، بإطلاق النار حتى وإن كانت الأعيرة في الهواء، فإنها (تدوِّش) إن لم تُصب أحداً، وإن أصابت فإنها تجعل من محاولة احتواء الأزمة، أزمة، وربما حرّكت الأحداث من مربعات الأزمة (المحتملة) إلى مربعات الكارثة الأكيدة، وهذا هو ما حدث في الديم بالخرطوم قبل يومين من احتفالات العالم باليوم العالمي للمرأة، لتصبح الشهيدة عوضية عجبنا ضحية لسوء التقدير وسوء التفكير. حدث قبل الآن، ومن ذات الشرطة- أمن المجتمع- التي نثمن دورها عالياً، ونقدر مسؤولياتها وواجباتها، حدث أن فاقم تصرف غير مسؤول لأحد منسوبيها من تداعيات القبض على إحدى الصحفيات السودانيات التي تعمل بإحدى المنظمات حتى أصبح القبض عليها شأناً عالمياً تتناقله الصحف والوكالات ومحطات التلفزة، ويستقبلها بسببه رؤساء الدول، وقد أجرت معي إحدى الصحف الأمريكية حواراً حول تلك القضية ودعيت للاشتراك في حلقة تلفزيونية خاصة بإحدى العواصم العربية للحديث عنها. وسبق أن أدى تسرّب لقطات مصورة تم بثها على موقع اليوتيوب والعديد من المواقع على شبكة الانترنت حوت جلد فتاة بوحشية داخل أحد مراكز الشرطة بأم درمان، أدى ذلك البث إلى خلق أزمة استمرت لفترة طويلة. السؤال الذي يطرح نفسه الآن، هل شرطة النظام العام هي جزء من الشرطة السودانية العامة، أم أنها شرطة دينية لا يحكمها قانون الشرطة؟ الإجابة المعروفة لنا، أنها جزء من الشرطة السودانية التي كان دورها ولا زال وسوف يظل، هو حماية المجتمع ومنع الجريمة واكتشاف فاعليها إن حدثت وتسليمهم للعدالة، إذن علينا أن نعيد النظر في أمر تكوين جزر أمنية معزولة عن الأرض الأم، وعلينا أن ننتبه إلى الآثار السياسية المدمرة للدول نتيجة سوء التقدير وسوء التدبير والتفكير من بعض أفراد الشرطة، مثلما حدث في تونس ومصر وليبيا.