اقتحمت شرطة نيويورك منزل الحاج حسب الله.. اتصال على رقم الطواريء يفيد أن الحاج قتل ابنته وصديقتها.. فوجيء الضابط بأن رجلاً في منتصف الخمسينات يفتح الباب مع أول طرقة.. بهدوء غريب وإنجليزية ذات ملمح أجنبي يفيدهم صاحب الدار بأنه قتلهما..الضابط يضع «الكلباش» على المتهم..عربة إسعاف تحمل نعش الشابتين..الجيران فتحوا نوافذهم..لم يكن أحدهم يصدق أن الجار الطيب يمكن أن يصبح قاتلاً. حسبو كان عاملاً بسيطاً في مستشفى الخرطوم ..اختاره زملاؤه في النقابة.. حينما وصلت الحكومة العسكرية إلى السلطة لم يكن قد تجاوز عقده الثالث..اشترك في إضراب أودى به إلى السجن..عندما خرج إلى الدنيا وجد نفسه ضمن فائض الخدمة..مضى إلى أريتريا مقاتلاً في جيش المعارضة فانتهى به المطاف لاجئاً في أثيوبيا لسبعة أعوام..انقطع عن أسرته..فضل الاختباء بسبب العجز..لم يكن يتحمل أن يواجه غلبة الدين وظلم الحكام. عندما التقى بأسرته في مطار جون كنيدي بعد ثلاثة أعوام أخرى قضاها في أمريكا شعر باستغراب..عشر سنوات جعلت مياه كثيرة تمر تحت الجسر..العيال كبرت ابنه أحمد وصل إلى السادسة عشر..ابنته مها بدأت كأنثي ساحرة..آخر العنقود شرف تركه طفلا والآن صبياً في الثامنة..زوجته سمية على اعتاب سن اليأس..بدأ الحاجز يكبر ويكبر..الابناء ينكفئون على امهم..كانهم يحاسبونه على الغياب غير المبرر. صفع ابنته ذات مساء عندما اكتشف انها تدخن في الحمام..غضبت الشابة المتمردة وتركت المنزل لتعيش مع زميلتها ذات الاصول الليبيرية..ابنه احمد تزوج صديقته الصينية دون ان يخطر والده..زوجته بدأت تلومه على تشدده الذي حطم الاسرة..بات المراهق شرف وحده يعيش مع ابوين متنافرين. ذات نهار رن هاتفه الجوال ..مديرة المدرسة تطلب حضوره حالا حتى لا تسوء الامور..حاول ان يخبر المديرة انه في نوبة عمل ..لغتها الحاسمة جعلته يغادر متجر (البيتزا) دون ان يستاذن ..المديرة ابلغته ان ابنه المراهق يبيع المخدرات في المدرسة..اخر بطاقة في بنك الائتئمان بدأت تتلف..شعر بالصدمة..نقل ابنه الى مدرسة اخرى افترض ان اصدقاء السوء قادوا ابنه الى ذاك المستنقع الاسن. بدأ يفكر في العودة الى الوطن..سأل نفسه ما الذي تغير في البلد حتى يعود..زوجته اعلنت العصيان المدني..اخبرته ستعود وحيدا وستموت وحيدا في تلك البقاع..اصر على رأيه..في منتصف الخمسينات بدأ يفكر في بدايات جديدة. قبيل السفر بساعات وبعد انقطاع طويل هاتفته ابنته..طلبت منه ان يسامحها ويسمح لها بالوداع..جاءت الى الموعد بصحبة صديقتها الليبيرية..بكى بشدة بعد ان استعاد ابنته المفقودة..طلب منها العودة الى البيت ..قالت له «هنالك مشكلة ماما لن تسمح لبيكي بالسكن معي» ..« ولماذا تسكن معك» ..اخبرته « لأننا متزوجان» ..اطرق رأسه الى الارض..سألها « هل امك تعلم ذلك؟» ..« اخبرتها واعترضت ولكن هذه حياتي اريد ان امارس حرية الاختيار» . دخل الى المطبخ حمل المدية الضخمة..انهال طعنا على ابنته وصديقتها..مضى يبحث عن زوجته ووجدها هربت من الباب الخلفي. خرجت الصحف تحمل صورة القاتل الحاج حسبو.