شهدت جامعة الخرطوم خلال السنوات الأخيرة اشكالات كبيرة معقدة وملحة، وحسب الكثيرين، لم تعد تلك الجميلة ومستحيلة- كما كان يتغزل فيها مريدوها في السابق- ويرى البعض أن غياب اتحاد طلاب الجامعة كان له الأثر المباشر والقوي في تلك التعقيدات، فيما يلقي آخرون اللوم على الحكومة بسبب ضعف التمويل، الى جانب التكدس الطلابي، وقصور المناهج، وقد برزت مؤخراً أصوات عالية تنادي بضرورة اجراء تغيير جذري لنظام انتخابات الاتحاد، والغاء النظام الحر المباشر، واستبداله بنظام الدوائر الجغرافية، حتى تعود للاتحاد هيبته، ولكي يتمكن من أداء دوره المنوط به في حلحلة مشاكل الطلاب.. الى جانب مطالبات بضرورة إنشاء محفظة مالية لدعم الجامعة بواسطة الخريجين، هذا وقد أبدى خبراء مختصون وأكاديميون تخوفهم إزاء مصير الجامعة، ورسموا صورة مظلمة عن الأوضاع ووصفوها بأنها الأسوأ على مر السنوات الماضية، وشن الخبراء خلال المنبر الدوري لجمعية خريجي الاقتصاد بجامعة الخرطوم، والذي استضافوا فيه رئيس اللجنة المكلفة بإعادة اتحاد الجامعة، ورئيس الجامعة الأسبق بروفسير عبد الملك محمد عبد الرحمن، شن الخبراء هجوماً عنيفاً على صندوق دعم الطلاب ووصفوه بالجسم الغريب، وطالبوا بتجريده من كافة صلاحياته ومسؤولياته، المتعلقة بالداخليات وخدمات الطلاب التي انتزعها سابقاً وإعادتها للاتحاد، كما طالب البعض بأن تتم مراجعة ميزانية الصندوق من قبل المراجع العام، ويقول بروفيسور عبد الملك أن المتتبع لأحداث الجامعة سيدرك أهمية الاتحاد في احداث الاستقرار، وحسم الفوضى، وتنظيم الحياة داخل الجامعة، فالجامعة تعمل بنظام الانتخابات الحر المباشر، بحيث يتكون الاتحاد من القوائم المنتخبة، وهو النظام السائد منذ العام 1993م وهو بالكاد يتيح التوصل لنسبة الأغلبية ولا يتيح نسبة مشاركة واسعة في كليات الجامعة المختلفة، ويشير الى أنه في العام 2009 كان اعتبار الفائز هو المعارضة، أما في العام 2010 فإن الانتخابات لم تستوف النصاب الكلي، لذلك ظلت الجامعة بدون اتحاد لعامين، حيث طفت للسطح ظاهرة جديدة، وهي مقاطعة الانتخابات، خاصة بعد ظهور تنظيم جديد له ثقل وهم جماعة «أنصار السنة» أو الاصلاح، حيث يسجلون حضوراً مكثفاً في الروابط والمناشط والخدمات، لكن ليس لهم وجود في الاتحاد، لأن النظام المباشر لم يأت بهم حيث ينحصر الفوز في الانتخابات بين معارضي ومؤيدي السلطة، وهذا ما جعل الاصلاح ينادي بالمقاطعة، وقد فعلها مرتين ونجح في افشال الانتخابات لعدم اكتمال النصاب، ويعتقد بروف عبد الملك أن هذه السمة ستستمر طالما استمر نظام الانتخابات الحالي، وربما يتحول الى قناعة لدى الكثير من الطلاب في التنظيمات المختلفة، وخاصة أولئك الذين يرون أن المخرج الوحيد لتلك الأزمة في نظام جديد، وهناك من يقول إن عدم مشاركة الطلاب في التصويت ربما تعكس لا مبالاتهم، لكن هذا القول يجد احتجاجاً كبيراً ومعارضة من قبل الطلاب، وهم يؤكدون بأنهم منشغلون بمشاكل أخرى كالسكن والإعاشة، خاصة لدى طلاب وطالبات الأقاليم، ويوضح بروف عبد الملك أن رأي الطالب ناتج عن ملاحظتهم بأن كل من يفوز في انتخابات الاتحاد، سواء أكان معارضاً للسلطة أو مؤيداً لها لا يهمه سوى الشأن السياسي، بحيث يتجاهل تماماً قضايا الطلاب، وهنا لابد أن نشير الى أن الطلاب غير المنتمين سياسياً يمثلون نسبة 15% فقط من جملة طلاب الجامعة، ومع نداءات المقاطعة يصبح من الصعب نجاح النظام الانتخابي الحالي، وأكبر دليل علي ذلك، أن نسبة النصاب في آخر انتخابات بلغت 38% وهي أقل من النصاب الكلي بكثير. ويقول بروف عبد الملك إن مهام اللجنة التي تتكون عضويتها من 22 أستاذاً والتي شكلتها إدارة الجامعة هي اجراء حوار مباشر مع الطلاب، واستشارتهم في النظام الجديد، والتأكيد بأن الرأي النهائي والحاسم سيكون لهم بعد التراضي والاقتناع، خاصة وأن نظام الدوائر الجغرافية يتيح للكليات مشاركة واسعة، واختيار من يشاءون من الطلاب الذين سيمثلونهم في المجلس الأربعيني، بعكس الانتخاب الحر المباشر حيث يصوت الطلاب لقوائم وأسماء دون أن يعرفوا الأشخاص، واطمأن هنا أن النظام الجديد يتيح لكل التنظيمات السياسية المشاركة كما يتيح اجراء انتخابات تكميلية في ظرف أسبوع، أو أسبوعين حال أصبح أحد المقاعد شاغراً، حتى لا يحصل نقص في الأعضاء، بعكس النظام الحر الذي يستمر فيه الاتحاد «أعرج» حتى نهاية دورته، لكن على الرغم من كل ذلك ستجد هناك تخوفات من النقص، وآخرين سيقفون على جانبي السياج يترقبون من على البعد ما سيحدث.. اعترف بأنه عمل شاق، لكن رغم الصعوبات هناك محاولات جادة لاخراج الجامعة مما هي عليه الآن، وحتى تظل الرؤوس فوق الماء الى أن يقضي الله أمراً كان مفعولاً.