الحلم الذي راودني ليلة الأمس لم يفارق مخيلتي.. ينتابني خجل شديد جرائه.. أتذكره في كل لحظة.. كلما تجاهلته عاد يملأ شاشة خيالي.. حلمت بأنني أسير عارياً في الشوارع وعبرت (جسر شمبات) وأنا كما ولدتني أمي.. أمشي دون خجل.. وفجأة انتبه إلى عريي الفاضح وأبحث عما يسترني فلا أجد.. الناس لا يحفلون بي.. ولا تثير حالتي اهتمامهم ولا يندهشون.. بينما أحس بخجل شديد وأبحث عن غطاء فلا أجد فأتدثر بخجلي الذي يثور فجأة.. ولكن قبلها أسير في تؤدة ولا استحيي.. بيد أن الحياء يغمرني فجأة. قسوة الحلم تتمدد.. إذ لا استطيع أن أحكيه لأحد.. في الشارع أعمد إلى تجريد من أراهم.. حتى أتوافق مع قسوة الحلم واتصل مع الفكرة وأسبر أغوارهم.. أنجح للحظات فأراهم عراة مثلما كنت في الحلم.. أرى بوضوح كل التفاصيل.. انتبه فتعود الملابس وتخفي عني كل شيء. أتوقف في منتصف الشارع وأراني في ذلك الحلم البغيض.. ألمح جنة خضراء تزهو بأطيارها وأشجارها.. أركض على عشبها الندي فيلامس أقدامي الحافية فتلذعني رطوبة حلوة.. فأعدو وأعدو.. حقيقة لا أعدو.. بل أرقص.. أتمايل.. أفرد يديّ كالأجنحة وأحلق عبر تلك الربوة الخضراء.. ارتفع إلى العلالي.. أكلان لذيذ يحتل جوانحي فأهبط مرة أخرى.. أيادٍ كثيرة تمتد إليّ.. تخرجني من الشارع وأصوات تتداخل: مجنون.. مسطول.. مخمور... مذهول... يد حانية تقودني إلى ضفة الشارع.. فتاة عذبة الملامح تسألني: ما بك؟.. أنظر إليها وإلى نفسي فنتعرى.. أكاد ألمسها حتى اختبر خيالي الجامح.. فأتراجع.. أهم يستر جسدي فاصطدم بملابسي.. اعتذر للفتاة.. تنظر إليَّ بمواساة مدمرة.. وعطف مشفق يزلزلني.. فأثور في وجهها صارخاً: أنا لست كذلك.. تقول بابتسامة: ومن قال إنك كذلك؟.. أهتف: نظراتك!! تمضي متدثرة بالأسى.. أرمقها تبتعد.. تدخل في أفق بعيد كالسراب.. فألوّح لها مودعاً بشغف بالغ.. انتفض إذا أجدها بجواري تضحك وتقول: لست كذلك!!.. اسألها: ومن قال ذلك؟.. تقول: نظراتك!! زحام كثيف أراني وسطه.. إنها مظاهرة صامتة.. أمضي وسط الجموع وحنين إلى هتاف قديم يجتاحني.. أرفع يدي ملوحاً كحال من يقود الهتاف.. يخرج صوتي هواء ثم كالفحيح.. حنجرتي لا تسعفني.. أتذكر الحلم اللعين.. أهم بستر عريي فاصطدم بملابسي فأصحو.. يتفرق الزحام بعضهم ينظر لي في تساؤل ويمضي.. أعود لتلمظ الحلم الكئيب. أقرر أن أستشير صديقاً يهتم بتفسير الأحلام.. أقاوم الحياء واقتحم مكتبه.. يطالع صحيفة صفراء.. أتوتر أشرع في الحكي.. يدخل ضيوف فأصمت.. يستحثني على المواصلة.. فأشير إلى الضيوف.. حسب أنني أمر بظروف مالية سيئة.. فيقول لحسم الأمر: كم تريد؟.. أنت لا تفهمني.. أخرج.. سأتصل بك على الهاتف.. ينصرف إلى ضيوفه.. يهشني كذبابة مزعجة.. أتضجر.. أذوب وسط جموع أخرى في منتصف (السوق العربي).. أتوه.. شحاذ ضرير يجلس القرفصاء.. أمامه إناء يضع له فيه الناس النقود الحديدية الصغيرة.. أجلس بجانبه يهمهم بلغة أو لهجة لا أعرفها.. أفهم أنه غاضب من جلوسي بجانبه.. ينظر إليَّ المارة فيضحكون.. يندفعون إلى بذل نقود ورقية في إناء المتسول الضرير.. كيف عرف أنها عملة ورقية أعلى قيمة يحملها ويضعها في جيب داخلي.. كيف عرفها وقيمها رغم عماه؟.. يلتفت إليَّ مبتسماً.. يتحدث بلهجته التي لا أعرفها.. أفهم أنه أصبح راضياً عن وجودي بجانبه.. أنهض.. يمسك بي.. ويلهج بما يشي بأنه يريدني أن أبقى. أنتزع نفسي منه وأمضي.. أحس بأنني أكثر رشاقة.. تعود ذكرى الحلم.. أتوقف في نقطة بعينها.. لا انتبه إلا وأبواق السيارات تنطلق في إلحاح.. شرطي المرور يقودني برفق إلى جانب الشارع.. يتركني ويمضي.. أمسك بيده.. يستدير نحوي.. اقرأ اسمه على ديباجة معلقة على سترته.. أنت عبدالجبار الضو؟!.. قال: نعم.. ومن أنت؟.. قلت: أنا نقيق الضفادع.. تساءل في بلاهة: نقيق الضفادع؟ قلت: ضجيج الحلم.. كيف عرفت اسمي؟.. قال: أشرت إلى اللافتة المعلقة على سترته وقلت: هذا هو اسمك؟!.. ضحك ثم ضرب جبهته بيده وقال بين ضحكاته: فرصة سعيدة يا نقيق الضفادع.. قلت: بل ضجيج الحلم.. قال: حسبته اسم الوالد!! ابتعت عصاتين من بائع عصي لحوح بعد أن ساومته حتى اشتريهما بثمن بخس.. قلت: إن وافق.. لا أرغب في شرائها.. قلت: السعر التافه لينصرف عني.. ولكنه قبل وقال لي: انت ساحر يا رجل.. فقد اشتريتهما مني (ببلاش).. هل أنت من الجن؟... قلت: أنا نقيق الضفادع ضجيج الحلم.. تمتم: عاشت الأسماء.. وهرب مني.. لماذا اشتريت هذه العصي؟ في عقلي الباطن هدف عليّ أن أتعرف عليه.. أجهدت نفسي.. عرفت.. من يتجرأ وينظر إليَّ سأضربه!.. المارة يهربون من رجل يضربهم بلا هوادة.. كلهم يجرون.. كباراً وصغاراً.. رجالاً ونساءً.. الشارع كله يعدو أمامي.. استهوتني الحالة.. هناك في أول الشارع يهربون.. هم لا يعرفون ماذا يحدث.. لم أضربهم بعد فلماذا يهربون؟.. تكسرت العصا الأولى.. لحقتها الثانية.. لم يقاومني أحد!!.. وأنا ألهث قاومت فكرة بضراوة.. فكرت أن أنفذ الحلم الآن.. وجدت الأيسر أن اتصل بصديقي ذاك وأحكي له الحلم المقيت.. هاتفته... حكيت له في جرأة.. وأعجبتني شجاعتي فشرحت له بوضوح.. ضحك خاطبني: مبروك.. ألف مبروك تفسير الحلم حسب علمي يعني أنك تتمتع بثقة كبيرة في النفس!