أمس كنا في بيت نائب الرئيس السوداني عشاءً.. انتبهت للعقيد الصوارمي الناطق الرسمي باسم القوات المسلحة يتجه للمنصة التي كان يجلس عليها الدكتور الحاج آدم والدكتور نافع علي نافع.. وأمين إعلام المؤتمر الوطني.. العقيد بذل التحية العسكرية لرجال المنصة ثم انصرف لمتابعة مجريات الأحداث بجبهة القتال. منذ أن تم إبلاغي بدعوة عشاء نائب الرئيس السوداني أبديت تحفظاً.. الدعوة تولى أعباء نشرها إعلام المؤتمر الوطني.. مفصلية الأحداث ومناشدة من رئيس تحرير آخر لحظة جعلاني أغير رأيي واتوجه إلى دار الحاج آدم الجديدة بحي المطار.. إنه ذات البيت الذي كان يسكن فيه من قبل الفريق سلفاكير.. تلك الأيام نداولها بين الناس. في تقديري أن حملة التعبئة الأخيرة لم تكلل بالتوفيق والنجاح.. منذ ضربة البداية ومؤشرات الاستفزازات الجنوبية تم تكوين لجنة قومية للتعبئة.. هذه اللجنة ترأسها الأستاذ علي عثمان.. منذ اللحظة الأولى كتبنا أن الاختيار لم يكن موفقاً.. الشيخ علي عثمان وجه مسالم نحتاجه في غير هذا التوقيت.. قومية المعركة كانت تقتضي اختيار شخصية قومية عليها إجماع من خارج حوش المؤتمر الوطني. احتلال هجليج كارثة تستوجب إعلان الحداد الوطني.. ولكن الطريقة التي تم بها تدشين التعبئة كانت تحمل مؤشرات سطحية.. نائب في البرلمان يحمل صورة الفنانة شيرين مطالباً بحظر دخولها السودان لأنها تتسبب في تثبيط همة جنودنا البواسل.. ولو أن ذاك النائب القى السمع وأعاد البصر كرتين.. لأدرك أن الذي يحبط معنويات الجيش ليس مجرد مطربة مصرية.. أسباب الهزيمة قصة سنعود إليها في وقتها. شاشة التلفاز ارتدت الكاكي وتم عسكرتها تماماً.. وزير المالية أكد أن هنالك تحوطات اقتصادية سيتم إقرارها قريباً.. صابر محمد الحسن رئيس القطاع الاقتصادي طلب من الصحفيين حضور مؤتمر مهم تعلن فيه حزمة من الموجهات الجديدة.. نتيجة الارتباك الذي صنعته الحكومة.. هلع جعل الناس تتجه إلى تخزين الوقود.. أسعار الدولار بدأت تقفز مع كل صباح يوم جديد.. تلك بالضبط المحطة التي يريد لنا العدو أن نقف فيها. في تقديري أن التعبئة والاستنفار لرد العدوان كان يمكن أن تتم بشكل مختلف تماماً.. بداية إرسال رسالة تطمئن الشعب والمستثمرين أن واقعة هجليج تحت السيطرة.. وأن عودة المدينة الأسيرة ليست إلا مسألة وقت.. الجرعة التطمينية تمنع الاضطراب.. وتؤكد أن مؤسسات الدولة متماسكة وتعمل في تناسق تام. الاتجاه الآخر أن تتعامل الحكومة مع الحادث بمنظار أوسع.. التعبئة تظهر أن الاعتداء يستهدف التراب الوطني.. وأن المعركة أكبر من أن تديرها الإنقاذ.. استهداءً بهذه القاعدة ينسحب المؤتمر الوطني من واجهة التعبئة.. لقاء بيت نائب الرئيس كان ينبغي أن يكون داخل القيادة العامة.. وبمشاركة مساعدي الرئيس عبدالرحمن المهدي وجعفر الميرغني.. من داخل هذه اللقاءات يتم إرسال رسالة قوية أن أهل السودان على قلب رجل واحد حتى يتم تحرير الأرض. من غير المقبول أن يعلن المؤتمر الوطني أنه صاحب المأتم ثم يدعو قادة الجيش للمشاركة.. ليس من العدل أن تتفقد الحكومة كشف الحضور وتقول أرى (الشيخ) من الغائبين.. ما الإنقاذ إلا حكومة قد خلت من قبلها الحكومات ولكن يبقى الوطن. سيدي القائد الأعلى انقلوا مهرجانات المناصرة إلى ساحات أرحب.