وددت لو أن صلاح قوش لم يراجع المجلس الوطني في تصميمه على رفع جلساته والتفرغ للجهاد. فبين التهليل والتكبير قال بعض أعضائه إن الوقت للبس الكاكي وليس لانعقاد الجلسات. فراجع قوش المجلس عن نوبة الجهاد لأن للمعركة بعداً سياسياً للمجلس دور فيه. ولكن ما رشح من المجلس خلال اليومين الماضيين أوضح أن المجلس لا يحسن الدور الذي استنظره قوش. فبان الآن أنه لا يحسن الجلسات وربما نجح في لبس الكاكي والجهاد. و»أنا عندي ظن» في ذلك. ولكن متى قطع وجهه خلت الساحة السياسية منه وسادها صوت العقل. فالمجلس مشغول منذ احتلال هجليج بتعيين خصومنا. فرئيسه، أحمد إبراهيم الطاهر، ذكر قائمة الأعداء. إسرائيل، طبعاً، ويوغندا، في نظره، من وراء العدوان على هجليج. كلمنا عن شيء لا نعرفه يا طاهر كما يقول الأمريكان. ثم قال إن جنوب السودان هو العدو الأول وبقرار من المجلس. مرة ثانية حدثنا عن شيء لا يحتل هجليج يا طاهر. ثم من الأعداء في نظره «المخذلين» الذين ساووا بين أطراف نزاع هجليج. وأخشى أن يكون قصد قوى الاجماع الوطني (كما قد نفهم من صريح قول نافع على نافع عن الشعبي والشيوعي) التي صدر بيانها بالأمس وطنياً (غير مشحودة عليها) ذا أفق رحب. ثم من الأعداء الوطن، كما قال، المضاربين بالعملة. جائز. والمجلس لبطي كبير. فجاء في الأنباء أمس أن كتلة الوطني فيه، وهي المجلس بالطبع، تسعى لفرض حالة الطوارئ في جنوب كردفان. وحجتها أن تخلي الساحة للقوات المسلحة حتى لا تتقاطع مشاغل سياسية مع أدائها. وهذا مسعى شاذ. فالمجالس النيابية، المعلق بذمتها الدستور الكافل للحريات، آخر من يطلب فرض حالة الطوارئ. بل تتفاداها البرلمانات حتى حين تطلبها منها جهة تنفيذية ولا تجيزها إلا بشق الأنفس. ولم نسمع أن القوات المسلحة أوالحكومة طلبت من المجلس فرض حالة الطوارئ. ايه الشلاقة دي؟ ونأتي لدور المجلس في المحاسبة عن محنة هجليج لنرى كيف يهرب منها هروب السليم من الأجرب. فقد صب رئيس المجلس الماء البارد على الأعضاء الذين طالبوا محاسبة المقصرين فيها. فقال لهم إن ذلك خارج سلطة البرلمان المخول له فقط محاسبة الجهة السياسية التي يتبع لها المسؤولون عن سقوط هجليج. ودعا مع ذلك إلى لملمة كل موارد الدولة لاستثمارها في معركة استرداد هجليج. ويسأل المرء عن ما سيحاسب الطاهر الجهة السياسية المعنية إن لم يكن عن الموارد فلكية الأرقام التي بذلناها دائماً للدفاع والأمن. هذا المجلس قليل شغله. لاحظنا من قبل إنه طالب بمثول القائم بالأعمال الأمريكي أمامه لمحاسبته على خذلان السودان في التطبيع مع بلده برغم وفائنا بالمطلوب. وها هو رئيسه يعلن الحرب وحده لا شريك له على جنوب السودان. فمعركة هجليج هي ضربة البداية ونهاية الشوط في جوبا. هل إعلان الحرب من صلاحياته؟ حكى لي مصطفى سيد احمد يوماً في مدني أنه كان، متى رأى أشتراً جاءه مبشراً وهو يغني، حال بينه وبين الأوركسترا حتى لا يرونه فيضطرب أداؤهم. ولربما انصلح حالنا لو أغلق نواب المجلس دارهم ولبسوا الكاكي.