أحد أصدقائي من الدرجة الأولى ، رجل أعمال ناجح في الغربة ، الرجل ولد وتربي وتعلم في إحدى الدول الخليجية ، والسودان بالنسبة له محطة ترانزيت فقط ، سألت صديقي في لحظة صفاء فيما إذا كان يفكر في إطلاق جزء من إستثماراته في السودان ،وقبل أن تبرد حرارة كلماتي ، عاجلني أنه فكر في هذا الأمر عدة مرات ولكن بعض مستشاريه نصحوه بعدم إستثمار مليم أحمر في السودان . عاجلت الرجل بسؤال كبير ... كفا الله الشر ليه بس كده ؟ ، وبعد أن أخذ تنهيدة من جوه الجوه كشف الرجل أنه فضلا عن نصيحة مستشاريه ، فإن زياراته الخاطفة للسودان لم تكن موفقة حتى يغامر بجزء من ودائعه وأملاكه في إستثمارات ربما تطيح بإمبراطوريته المالية وبعدها يشدو مع المغني " أندب حظي أم آمالي " وهذا المقطع طبعا واحدة من تحابيش صاحبكم العبد لله لأنني أقسم بالله أن صاحبنا رجل الأعمال لا يعرف هذه الأغنية ولم يسمع أصلا أن هناك أغنية سودانية بها هذا المقطع من أساسه . المهم صاحبنا أوضح أن الضرائب العشوائية والجبابات في السودان ، إضافة إلى التماسيح الكبار الذين يريدون إشراكهم في كعكة حلالي بلالي كثيرون وهم يعرقولون أي إستثمار أو مشروع من قولة تيت وشرطهم الوحيد أدهن السير يسير ، ودقي يا مزيكا ، لحن اللهف الجميل جدا . ومضى صاحبي رجل الأعمال ونحن نتعشى في مطعم هندي مع أفراد أسرته أن من أكثر المسائل التي تخوفه عدم الإستقرار السياسي في السودان ، فضلا عن تنامي الجريمة المنظمة التي أفرزتها التداعيات الإقتصادية والتغيرات الإجتماعية التي طرأت على المواطن السوداني خلال ال20 سنة الماضية . الرجل قال أنه يعيش في الغربة منذ ولادته ، ولا أحد من جيرانه يعرف أن كان «ملياردير» أو « مديونير» ، لأن الناس في الغربة حسب قوله ، لا يفكرون لمثل هذه المسائل وكما يقولون « صباح الخير يا جاري إنتا في حالك وأنا في حالي » . أما في السودان فإن الناس تفكر لبعضها ، وهناك الكثيرون يحبون الشمشرة والشمشمة ويريدون أن يعرفوا كل صغيرة وكبيرة عن كل قادم جديد أو أي شخص نما له ريش وأصبح من فئة مرطب أفندي باشا .المهم أقنعني الرجل بمرئياته بعدم الإستقرار والإستثمار في السودان ، لكن السؤال العريض الذي يضرب بقوة إلى متى نجد الكثير من الإستثمارات السودانية الأصيلة التي جاءت بعرق الجبين تحلق في فضاءات بعيدة ، طبعا لا أقصد هنا الإستثمارات التي جاءت ، بطرق غير سوية ، واللبيب بالإشارة يفهم . ولأن الإستقرار يعد ركيزة للحراك التنموي والرخاء الإقتصادي أخشى أن تهاجر الكثير من الأموال السودانية إلى الخارج هذا إن لم تكن هاجرت أصلا ، وطبعا هنا لا أقصد فلوس« ناس متين شافوه » أو أثرياء المرحلة الحرجة .