وقع في يدي كتاب يتناول ملامح من شعر الحماس للشاعرات السودانيات أعده (د. الفاتح الزين شيخ أدريس).. وقفت كثيراً عند الجزئية التي تتناول (مهيرة بت عبود) تلك السودانية الأصيلة التي شغلت بشجاعتها وشعرها الحماسي المجتمع السوداني ولمع نجمها بين قومها كفتاة سودانية مسموعة الرأي... يحدثنا التاريخ عن إسماعيل باشا عندما جاء في حملته إلى السودان بجيش جرار يحمل أحدث الأسلحة.. أخذ فرسان الشايقية بادئ ذي بدء يستعدون للقائه، ولكنهم سرعان ما أدركوا أنهم لا حول لهم ولا قوة لمقاومة جيش إسماعيل ومن ثم تملكتهم الحيرة في أمرهم واحتار قائدهم.. وعندما أحست مهيرة أن قومها قد أصابهم الوهن والخوف وأن عقيدهم قد تقاعس، وقفت تشد من أزرهم بشعر حماسي وتدفعهم إلى القتال... فتحول الأمر إلى شجاعة نادرة حيث إنها خاطبت عقيد الشايقية بعتابها عندما صوَّرت حيرة عقيدهم: الليلة العقيد ..... في الحلة متمسكن وفي قلب التراب.. شوفنّو متجكن الرأي فارقو .. لا يشفي لا يمكِّن ما تتعجبن ضيم .. الرجال بمكن فصورت هيئة عقيد الشايقية جالس على الأرض يبعثر التراب بيده، كأنها تقول لا عجب يا بنات شايق فإن الرجال لا يتحملون الضيم ولا الاحتقار.. على أثر ذلك خرجت قبائل الشايقية أفواجاً أفواجاً على ظهور الخيل حاملين أسلحتهم البيضاء لملاقاة جيوش إسماعيل باشا، فكانت معركة كورتي رغم عدم التكافؤ في الأسلحة، فغنت مهيرة: غنيت بالديلة... لي رجال شايق البرشو الضعيفة.. ويلحقوا الضايق ومن ورائها تردد النسوة: الليلة استعدوا.. وركبوا خيل الكر وقدامن عقيدن... بالأغر دفر الليلة الأسود..، الليلة تتنتر ويا الباشا الغشيم.. قول لي جدادك كر وهكذا ظلت مهيرة بت عبود تلهب حماس أبناء شايق وهم يستجيبون لندائها، وهي تهتز طرباً عندما تراهم يتسابقون للموت. ü آخر الكلام: هذا هو التراث الذي نتمنى أن لا يندثر في تاريخنا الوطني، فقد عمد الآخرون على استلابنا هذه الروح الوثابة المقاومة..