التاريخ هو الكتاب الذي يقرأ فيه الناس أحداث الماضي وسِيَر من كانوا قبلهم فيأخذون من ذلك العبر والعظات والدروس التي تفيدهم في حياتهم، وبهذا يرتبط الحاضر بالماضي ويستشرف المستقبل، ولكي يكون التاريخ ذلك الكتاب الذي يُرجى منه كل ذلك، فلابد أن يكون نظيفاً منقحاً خالياً بقدر الإمكان من الشوائب والهنات، والتاريخ يكتب عادة عن الأمة (أو الدولة) أو المنطقة أو القبيلة أو الأسرة أو تاريخ شخص بعينه، والسودان مجتمع قبلي، أي أن القبيلة لها دور أساسي في تكوين المجتمع السوداني ويحكم كثيراً من مسيرته الاجتماعية والثقافية، وذلك من غير نزعة عنصرية أو عرقية، ورغم وجود أثر القبيلة الذي أشرنا إليه، إلا أن التمازج العرقي المتمثل في التزاوج والمعاشرة، جعل من السودان مجتمعاً متداخلاً كثيراً منه وشائج القربى ورابط الدم، وما عادت القبيلة مجتمعاً منعزلاً، بل هي بانات صغيرة تتشابك مع بعضها البعض لتكوِّن نسيج المجتمع السوداني. وفي تقديرنا فقد نجح الإنسان السوداني في تطويع القبيلة لتكون لبنة صالحة وقوية في بناء المجتمع السوداني، ولا أدل على ذلك من أن معظم المدن السودانية (خاصة الكبرى) ما هي إلا مزيج من كل قبائل وأجناس السودان، بل حتى في الريف نجد القبائل والعشائر بمختلف أعراقها تسكن وتتعايش في سلام مع بعضها البعض، ومرد ذلك كله الروح الطيبة والمسالمة للفرد السوداني وما عرف عنه من حبه للخير وإسداء المعروف والتعاون مع الآخرين. والقبيلة هي كيان اجتماعي وثقافي ومنها ينشأ المرء متأثراً بعادات وتقاليد مجتمعه الصغير ويتعلم كيف يصل أهله وأرحامه ويحافظ على قيم هذا المجتمع.. وفي هذا الإطار فإن معرفة تاريخ وماضي القبيلة أمر ضروري وحيوي، خاصة وإنسان اليوم الذي بعد أن توسعت لديه أبواب التعليم والمعرفة صار يمكنه إدراك الغث من السمين وتمييز الأمور الإيجابية من تلك السلبية. وطالما أن الإنسان ينشأ متأثراً بتاريخ قبيلته فإن الاطلاع على تاريخها ومعرفة المواقف المجيدة لأفرادها يبعث فيه روح الاعتزاز وحب الاقتداء بما هو مفيد وصالح لبناء مجتمعه الصغير والمجتمع القومي بأكمله.. ولكن ينبغي أن يكون كل ذلك في ضوء وهدى الإسلام من غير عصبية ولا عنصرية بغيضة - ويكون نصب عينيه قول الله سبحانه وتعالى «يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله اتقاكم» وقوله صلى الله عليه وسلم «تعلموا من أنسابكم ما تصلون به أرحامكم». في ضوء ما تقدم نود أن نسوق شيئاً من تاريخ قبيلة الشايقية وعشائرها وكذلك العشائر التي عايشت الشايقية وانصهرت فيها وصارت كلها كياناً واحداً.. وما دفعنا إلى ذلك عدة أسباب أهمها: أولاً: ساهم الشايقية مساهمة واضحة في تكوين تاريخ السودان مساهمة أثرت في كافة نواحي الحياة الاجتماعية والسياسية والاقتصادية والثقافية، وذلك لانتشارهم في كثير من بقاع السودان(بل وفي خارجه) وقد ساعدهم في ذلك. - تمكن روح الاغتراب والبحث والمبادرة والمغامرة والقدرة على معاشرة الآخرين والاندماج فيهم. - القدرة الهائلة على التعايش والتأقلم مع بيئة المنطقة التي ينزلون فيها. الأمر الثاني: هو رغم ما كتب عن الشايقية ومناطقهم إلا أن ما كتب قد غمط الشايقية كثيراً من حقهم، بل قد أهمل عن قصد كثيراً من تاريخ قياداتهم وزعمائهم وأبطالهم وعلمائهم - حتى أن كثيراً من أبناء الشايقية أنفسهم لا يدرون شيئاً عن أسلافهم الذين تُرك تاريخهم تردده الروايات والحكاوي المتفرقة، فكثير منهم لم يسمع بأبطال مثل الملك عتمان ود حمد والشيخ حمد أبو ظليط ود الشيخ على أبوحبة والشيخ عكود ود بادي. والملك عتمان ود حمد هو الذي قاد ثورة الشايقية ضد سلطان الفونج وحررهم من إدارة العبدلاب واستقل الشايقية بحكم أنفسهم.. ومن أهم القيادات التي أهملها التاريخ هو البطل حسان العوني قائد جحافل الشايقية في موقعة كورتي 1821م التي غنّت لها مهيرة: حسان في حديدو الليلي إتلثم يا الدابي الكمن في جحرو شم الدم مأمون يا الملك بقة عقود السم فرساناً يكيلوا العين يفرجو الهم وكذلك غنت مهيرة في كورتي لتلهب حماس فرسان الشايقية: غنيت بالعديلة لي عيال شايق البفشو الغبينة ويلحقوا الضايق الليلي استعدوا وركبوا خيل الكر قدامن عقيدهم بالأغر دفر جنياتنا الأسود الليلي تتنتر يالباشا الغشيم قول لي جدادك كر وقد كان من أبطال هذه المعركة بجانب الملك شاؤس (وينطق خطأ شاويش) والملك صبير والشيخ أحمد أشاوس مثل، على الأزرق السوارابي العنينابي وخاله شايق ود الفكي حاج أمحمد، ومحمد خير ود عبود وأخوه خرسهن الذي استشهد في المعركة، وغرباوي العوني، كذلك فإن الكثير من أبناء الشايقية يجهلون ثورة الملك حمد الشايقي الصلحابي التي قادها ضد الحاكم التركي أحمد أبو ودان سنة 1838م، ويجهلون الكثير عن الفارس طه أبو سدر وطه ود مساوي، وعبدالحميد أبو رقيبة وعمر ترحو السوربي.. والزعيم بشير بي كمبال وصالح ود المك (والد اللواء حامد صالح باشا)، والملك يوسف ود محمود العدلانابي، بل أن كتاب التاريخ ظلموا رجالاً كان لهم دور بطولي بارز في الثورة المهدية، أمثال الشيخ العطا ود الدود (جد الرائد هاشم العطا وكل أسرة العطا المحاربة)، والشيخ الطيب السورابي والشيخ الأمير الشهيد أحمد الهدي (القطب التجاني المعروف) وعتمان ود بابكر، وبابكر ود نية، والأمير البطل الشهيد العطا ود إصول الذي كان له شرف المواجهة العسكرية الفذه في معركة النخيلة (عطبرة) ضد كتشنر 1898م واستشهد في المعركة بعد أن قتل عدداً كبيراً من جنود كتشنر.