السودان في حاجة ماسة لإعلام خارجي قوي يسهم بشكل إيجابي في طرح كل القضايا السياسية والاجتماعية والاقتصادية، بموضوعية ووضوح وشفافية عالية، في مواجهة تلك الآراء والأفكار المغلوطة، التي صارت أمراً مسلماً به في كثير من الأجهزة الإعلامية الدولية، وعلى سبيل المثال لقد كان تجاوب وزارة الخارجية مع قرارات مجلس الأمن الخاصة بمعالجة الأزمة مع دولة جنوب السودان أكثر إيجابية، حيث برزت لأول مرة الدبلوماسية السودانية الهادئة بذلك الثوب الموضوعي المتجاوب تماماً مع مؤسسات المجتمع الدولي، ولكن للأسف ظل ذلك التجاوب الرائع متداولاً في صحف الخرطوم وأجهزتها الإعلامية الأخرى، دون الإشارة له بشكل إيجابي وكبير في أجهزة الإعلام الدولية التي ما زالت تتحدث عن المأساة الإنسانية في جنوب كردفان والنيل الأزرق، دون تحول نحو الخطوات الإيجابية التي اتخذها السودان عبر وزارة الخارجية على طريق حلحلة كل الإشكالات العالقة مع دولة جنوب السودان، وإذا اعتقدنا أن الإعلام الدولي غير متعاطف مع السودان، ويستهدف نظام الحكم فيه نكون قد دفعنا بأخطائنا نحو الآخرين، وحملناهم المسؤولية، في حين أننا لم نقم باختراق تلك الأجهزة الإعلامية الدولية عبر برنامج إعلام خارجي متكامل، وخطط قائمة على المبادئة والمبادرة وطرح وجهات النظر الخاصة بنا بكل شفافية وموضوعية، بعيداً عن الهجوم غير المبرر على الآخرين، أو انتقاء لبعض العبارات التي تجد صدى في داخل الوطن وسط الجماهير، ولكن مردودها سلبي تماماً في كل الأجهزة الإعلامية الدولية، وعلى سبيل المثال فإن الأزمة الدارفورية قد تم تشويهها تماماً في أجهزة الإعلام الغربية، وخاصة في الولاياتالمتحدةالأمريكية، حيث ما زال بعض الأمريكيين يعتقدون بأن الاشكالية في دارفور هي صراع ما بين المسلمين والمسيحيين، وأيضاً هو حروب ما بين العرب والأفارقة، واضطهاد الأغلبية للاقليات الأثنية هناك، ولقد صححت ذلك المفهوم وتلك المغالطات شخصياً في محاضرة دعيت لها من قبل أعضاء الكنيسة في الحي الذي اسكنه بولاية ميرلاند عام 2006م.. حيث فوجيء الحضور حينما قلت لهم إن الصراع في دارفور ليس دينياً أو إثنيا،ً كما أن هناك قيادات سياسية من دارفور تتولى أرفع المناصب في الدولة، والله يعلم كيف تغيرت مفاهيم أولئك الأمريكان في ذلك اليوم، حيث حظيت بتكريم منهم بعد أن تملكوا الحقائق المجردة حول حقيقة ما يجري في دارفور، وكتبت في صحف الخرطوم بعد ذلك عن ضعف الإعلام الخارجي، وأهمية بناء وحدة الإعلام الخارجي تخاطب العالم بكافة اللغات مع ايفاد بعض الخبراء في مجالات التاريخ وعلم الاجتماع، لتوضيح الحقائق المجردة التي تساعد كثيراً في تحسين صورة بلادنا أمام المجتمعات الدولية، حتى تستطيع مراكز اتخاذ القرار في تلك الدول أن تكون أكثر حيادية وفهماً عميقاً لطبيعة ما يجري في بلادنا عبر تلك البرامج والخطط الإعلامية الإيجابية التي تنقل الحقيقة المجردة بكل شجاعة وشفافية.