على الرغم من زيارات متعددة قمت بها للشقيقة المملكة الأردنية الهاشمية إلا أن زيارتي الأخيرة لها كانت ذات طعم خاص، حيث حججت إليها هذه المرة مرافقاً لوالدي، الذي آثر أن يتطبب فيها، مثله و معظم أهل السودان الذين أصبحت المملكة الشقيقة قبلة لهم ، من أجل العلاج ، بدلاً عن بريطانيا ، وبعض الدول العربية الشقيقة، وذلك لأسبابٍ عديدةٍ لا نريد الخوض فيها. واعود وأقول لأول مرةٍ تشرفت بلقاء الأخ القنصل رياض محمود النجادا الذي استقبلني بحفاوةٍ وتقدير رغم أنني لم ألتقيه من قبل، وفي أقل من ربع الساعة، سلمني جوازي وجواز والدي ، وودعني حتى خارج مبنى السفارة بمثل ما استقبلني من حفاوةٍ.. وهو يدعو لوالدي بالشفاء العاجل ، ولم استغرب هذا التصرف النبيل ،من أحد أبناء الأردن الشقيقة، الذين عايشت الكثير منهم أثناء إغترابي في دولة الكويت الشقيقة في ثمانينات القرن الماضي. ثم أعود مرة أخرى لأقول أن الأردن الشقيقة، استطاعت وباقتدار الإرتقاء بخدمات التطبيب والعلاج إلى مستويات عالية ،لا تقل عن المستويات القياسية العالمية، وثانياً فإن هذه الخدمات تتم في إطارٍ من التعامل الإنساني الراقي، ومن ذلك على سبيل المثال، أنهم يشرفون على الراغب في العلاج أو مرافقيه ، منذ مرحلة الإعداد وترتيبات السفر في البلد الأم ، وحتى الوصول الى عاصمة المملكة (عمان) وما بعد ذلك، بطريقةٍ تتوفر فيها الرعاية الكاملة والراقية، بل وحتى عند ما تتم الخدمة الطبية والعلاجية الأولية اللازمة فإنهم أى إدارة المستشفيات، ينصحونك بأن تكمل بقية الخدمة العلاجية، وأنت في ضيافة اي شقة مفروشة تختارها، وذلك إشفاقاً عليك من الصرف المالي الكبير عندما تكون مقيماً بالمستشفى، ومن هنا فهمت ما يطلق عليه مصطلح (السياحة الطبية)، والذي يتجسد بحق في المملكة الهاشمية الأردنية، وقد دفعني ذلك إلى التأمل والبحث في (الظاهرة الأردنية) على غرار (الظاهرة اليابانية) حيث التطور المتسارع والكبير في مشروعات التنمية والخدمات رغم شح الموارد! وما يدهش المرء أن النهضة الأردنية الماثلة، تمت على الرغم من حساسية الموقع الجيوبوليتيكي، الذي تحتله المملكة، وبالعودة إلى أوراق التاريخ نقول: إن نظرية كون الحضارات تمر بدوراتٍ متعاقبةٍ، تنمو وتزدهر ثم تشيخ وتذبل وتندثر، كانت تقلق وتؤرق زعماء الإستعمار الأوربي الحديث، مستندين في ذلك على ما وقع للحضارات القديمة، ونحن العرب نعلم ان من أوائل العلماء الذين أخذوا بهذه النظرية العلامة عبد الرحمن بن خلدون في مقدمته. وإحساساً بالخطر المحدق بالحضارات الأوربية القائمة على التنافس الإستعماري عقد مؤتمر سري في لندن استمر منذ عام 1905م حتى عام 1907م، وقد دعا إليه السير كامبل بزمان، وذلك بهدف تشكيل جبهة اوربية موحدة من الدول الاوربية ذات المصالح المتوافقة في العالم آنذاك وهى: بريطانيا، وفرنسا، وبلجيكا، وهولندا، والبرتقال، وايطاليا ، واسبانيا.