ميّز الله الإنسان على كافة مخلوقاته بالعقل والكلام.. ويختلف البشر في الحديث.. فمنهم الثرثار ومنهم الذي كلامه قليل.. ويمتليء العالم بثرثارين كما ذكر رجاء غازي العتيبي في عالم الثرثرة الذي قال فيه إن العالم مليء بالكلام.. الكل يتحدث ويتكلم في كل بقعة من هذا العالم مهما تناهى صغرها تجد كلاماً.. في المكتب.. في البيت.. حتى الهواء مليء بالذبذبات الصوتية.. الحياة كلها (كلام في كلام). الكلام يسبق كل عمل يقوم به الإنسان.. حتى لو أراد ذبح دجاجة فإن مهمته هذه تحتاج إلى سيل من الكلام.. مع البائع ومع الأهل ومع كل شخص له صلة بهذه الدجاجة. حتى تثبت لكم هذه الصفة- صفة الثرثرة- أنظروا إلى فواتير الهاتف في أي مكان في العالم.. لا شك أنكم ستجدون أرقاماً خيالية تبرهن لكم مقدار ما يهدره الإنسان من وقت في سبيل أحاديثه.. حقاً.. الأعمال والمشاريع والاتفاقيات والعهود تبدأ بكلام ثم الكتابة وأخيراً بالتوقيع.. وبعد ذلك تبدأ عملية التطبيق الفعلي ولكن هل نعتبر هذا ثرثرة؟.. قطعاً لا.. سؤال آخر.. ما نسبة هذا الكلام الذي ينتج مشاريع واتفاقيات وأدباً.. قطعاً قليل وقليل جداً وماذا عن بقية النسبة؟!.. ثرثرة ولا شك. أحاديث السمر الليلية ألسيت ثرثرة في الهواء.. والأفلام التجارية.. اأغاني العصرية.. كلام الصغار.. معظم ذلك ثرثرة لا طائل منها.. ومع ذلك تظل الثرثرة عاملاً مهماً من عوامل الركض في دنيا الحياة الواسعة.. إذا لم نتحدث تعطلت أعمالنا وأصبحنا نعيش في كهوف من الصخر.. ذلك أنه إذا توقفت اللغة تعطلت الحضارة.. فمن ساعتها يتكلم الإنسان ليبدد رهبة الصمت ويشعر بحركة الحياة وبدفء العاصفة. أمور كثيرة تجبرنا على أن نتحدث اللغة وأن نجعل من كلماتها جملاً تتسابق في الوصول إلى آذان الآخرين ولكن .. ثمة فئة بشرية يجب أن تلتزم الصمت.. لأن في كلامها شيئاً يؤثر على علاقة الإنسان.. يكفي أن الحرب تبدأ بالكلام.. مثل النار تبدأ بشرارة صغيرة وصغيرة جداً.