بنات حواء لسن وحدهن الثرثارات، فأبناء آدم الذكور نافسوهن حتى هزموهن، رغم أن الثرثرة ستظل لصيقة بالمرأة، وسيظل الذكور متبرئين منها .. رامين بها في وجه الطرف الآخر .. دون أن يملكوا أي دليل مادي على صحة مقولاتهم . شخصيا .. أملك دليلا صغيرا، يضع الرجال في خانة متقدمة من الثرثرة، وهي صفة لم أكن أريدها لأبناء جنسي، لكن لا مناص من مواجهة الحقيقة، فكم من الحقائق المريرة التي واجهناها ذكورا وإناثا، وكم من آلام تجرعناها ونحن نفيق لنرى الجنوب قد (طار)، والاقتصاد قد انبطح، والدواء قد نفد، والبنزين قد تعنت، والمعيشة قد استعصت ! الحقيقة التي خرج بها صويحبكم، كانت نتاجا لجولة ميدانية، مررت خلالها بسوق الخرطوم، وتوقفت قريبا من شخص يبيع شرائح الاتصالات، وكان يروج لها بمايكرفون صغير جعله ينطلق من بين بضاعته . بدأت أتابع بصمت، تلك العينة العشوائية التي تأتي لتشتري، وفي العادة تكون العينات العشوائية هي الأفضل في مثل هذه الأحوال، فالمكان مكتظ بأنماط مختلفة من الناس، وأعداد الذكور تشابه تقريبا أعداد الإناث، وفي فترة لا تتعدى نصف الساعة .. كان واضحا أن من يتوقفون لشراء الشرائح، أو يسألون عنها، هم في الغالب الأعم من الذكور، وأن من بين كل خمسة مشترين، يكون ثلاثة من الذكور، وربما أربعة ! طبعا الشرائح ليست دليلا دامغا يثبت ثرثرة الرجال، فالمشترون قد يشترونها لشقيقاتهم، أو لبناتهم، أو لزوجاتهم، أو لغيرهن ممن يصطفون، وهذا احتمال مقبول، لكن الاحتمال الأكبر .. هو أنهم يشترونها لأنفسهم، وليس من مجال لاستعمال الشرائح، كما نعلم، سوى للثرثرة الشفاهية، أو الثرثرة بالرسائل القصيرة والدردشة! حتى العينات التي لاحظتها وهي تتحدث بالموبايل، أثناء المشي في الشارع .. يكثر بينها الذكور، ما يعني أن النتيجة ليست في صالحنا، مهما حاولنا استمالة الحكام، وتزوير النتائج ! أحد معارفي شكا لي ذات مرة من أن زوجته الموظفة .. تضيع نصف راتبها في (الاسكراتشات)، حيث لا يقر لها قرار، إذا لم تثرثر مع كل أهلها وذويها وجاراتها، مستفيدة من كل العروض التي تقدمها الشركات لمزيد من الثرثرة (!)، لكنني عندما تحريت عما يصرفه هو شخصيا في الاسكراتشات، تبين لي أنه صاحب القدح المعلى، وأنه يلوم زوجته فقط لإخفاء ثرثراته هو، والتي تلتهم ضعف ما تلتهمه ثرثرة زوجته المصون ! لحسن الحظ، حظنا طبعا، أن القناعة بثرثرة حواء راسخة، وأن العينات العشوائية وغير العشوائية .. لن تغير من القناعة الرجالية الثابتة، بأن بنات حواء هن أهل الثرثرة، وأن أولاد آدم سكوتون، ولا يميلون لكثرة الحديث، خصوصا حين يكونون في بيوتهم !! عليه، فإن ما رصده صويحبكم .. يبقى مجرد كلام، ولن يكون دليلا يطمئن إليه القراء من أولاد آدم، بل لن تطمئن إليه الكثيرات من بنات حواء أنفسهن .. بعد أن ترسخت لديهن أيضا قناعة أنهن ثرثارات، بسبب كثرة ما سمعن هذه العبارات .. من أولاد آدم أصحاب الأصوات الغليظة والمجلجلة ! رصدي يقول إن الرجال أكثر ثرثرة، فمن يقنع الآخرين بصحة النتائج ؟!