وليس في الأمر عجب.. لأن الأمر أمر وطن.. والوطن أكبر منا جميعاً.. أغلى منا جميعاً.. وله ومن أجله نمد يدنا لأبالسة الأرض إذا كان ذلك يهبه ظلالاً من أمان ومظلة من سلام.. عندما يأتي الوطن.. تتراجع في حضرته كل الصفوف.. تبهت كل الألوان.. والوطن ليس ملكاً مشاعاً أو مطلقاً مسجلاً في الأراضي باسم المؤتمر الوطني.. هو ملك لكل مواطن انشقت عيونه على تضاريسه المترفة.. لكل إنسان حمل بطاقته فرحاً وكبرياءً وسعادة.. له وبه ومن أجله نهدم أعتى وأصلب الحواجز والحوائط تلك التي تفصلنا حتى من المؤتمر الوطني.. ونعود إلى ما بدأنا به ونشرح «ليس في الأمر عجب».. اليوم نحن في خندق واحد مع وزير الخارجية علي كرتي.. ليس فقط في خندق واحد معه.. بل نأمل ونطمع ونطمح.. في إقامة كوكبة أو كتيبة أو مفرزة.. خلف الرجل دعماً ومؤازرة ومساندة.. أما كيف.. دعوني أصدر كلماتي تحت عنوان هذا نداء لكل من يرى ما أرى.. وكل ما يرى ما أرى.. وكلنا نرى ما يرى علي كرتي ذاك الذي ظلت تنتاشه سهام المزايدين.. بل الزاعقين.. أولئك الذين يضربون بقوة في طبول الحرب.. ونبدأ ونقول.. بل نعود إلى رائعة «ليو تولستوي» «الحرب والسلام».. ولمن فاتهم الاستمتاع حد الإدهاش لتلك الرواية الرهيبة.. ننصح بتصفحها وقراءتها ليعرف بشاعة وأهوال ونيران الحرب.. ويتنسم أريج وزهور وعبق وروعة وبهجة السلام.. لن أغرق نفسي في تفاصيلها.. ولا أود إعادة حكايتها عبر هذا النداء.. ولكن تذكرتها فجأة.. وأنا أحاول جاهداً أن أجد مفتاحاً لذاك «القفل» العصي غير كلمات المخرج الروسي.. بل «السوفيتي» المبدع الفنان الذي حول «الحرب والسلام» إلى تحفة سينمائية شغلت الناس وما زالت تضيء وتبهر في صدور وقلوب وعيون كل من أسعدته الظروف بمشاهدة تلك التحفة واللوحة الخالدة.. إنه مخرج الروائع «سيرغي بند شوك».. في مقدمة الفيلم كتب بأحرف مضيئة على الشاشة البيضاء «إذا اتحد الأشرار ليكونوا قوة واحدة.. فبالضرورة أن يتحد الأخيار ليكونوا قوة مقابلة».. وها هو كرتي.. يحارب في مهارة ورصانة ورزانة بالدبلوماسية.. يزن حروفه وكلماته بميزان الماس والذهب.. يعلم أنه يخاطب عالماً وكوناً لا يستمع مطلقاً للتهريج والتهييج والخطب الحماسية.. يعلم تماماً أين تقف رمانة ميزان القوى.. يعرف تماماً أين يضع قدمه والتي هي قدم السودان في الوقت الصحيح.. في الزمن الصحيح.. يعلم تماماً أن الحشود والمسيرات وطبول التهييج مهما ارتفع صوتها لن تتسرب منها «ضربة» واحدة إلى عقول ونوافذ العواصم التي تشارك في حلحلة الأزمات بين الوطن ودولة جنوب السودان.. هو تماماً مثل الناطق الرسمي باسم وزارته السفير مروح.. إنهما يخاطبان العالم باللغة التي يفهمها ويحترمها ويعتمدها.. إنهما يفعلان ذلك.. نستمع إليهما عبر الفضائيات وفي الإذاعات عبر الصحف وحتى داخل المجلس الوطني.. نحس بالأمن والطمأنينة والأمان.. والثقة في أن العالم يصغي لنا جيداً.. بينما يفعل كرتي ذلك.. يحتشد بكل أسف في مواجهته.. بل تتكون جبهة عريضة لمناهضة ما يقوم به ثم يزدحم الفضاء.. فضاء الوطن الجميل بنعوت التخوين والانبطاح.. والتخذيل.. ولم يتبقَ لهؤلاء غير وصفه الحبيب إلى نفوسهم المستهلك من بضاعتهم.. بل الذي صار صكاً جاهزاً لكل من تسول له نفسه أن يرى خلاف ما يرون.. أقول لم يتبقَ لهؤلاء غير إطلاق «التولي عند الزحف» في وجه الرجل.. وكأن الرجل أو كأنهم لا يعرفون أن الرجل قد قاتل إنابة عنهم وعن معتقداتهم في الأدغال والأحراش.. نعم نحن لسنا في حزب الرجل.. ولا نلتقي فكرياً في أي منعطف.. ولكننا نلتقي حتماً في الوطن.. وها نحن على النور التقينا.. وبكرة نلتقي..