الثائر الذي امتشق وهج الكلمة! «توتي» الساحرة في قلب العاصمة المثلثة الخرطوم وعمق القارة السودانية هي التي تحتضن في ثراها الطاهر أرومة شاعرنا الثائر الكبير المهندس على نور، إلا أن مسقط رأسه هى محضن العلم «رفاعة» التى كان فيها ميلاد صرخته الأولى عام 1904م، حينما استقر والده بها بحكم عمله، ثم نشأ واستقر في العاصمة الوطنية «أم درمان» بحى الموردة. درس شاعرنا المرحلة الأولى برفاعة وجزء من المرحلة الوسطى التى أكملها في الخرطوم، ثم التحق بقسم الهندسة في كلية غردون التى تخرج فيها مهندساً، وعندما كان طالباً فيها انضم الى جمعية الاتحاد السوداني السرية، وهي أول تنظيم سياسي وطني سري في السودان، تأسس عام 1922م على أيدى المناضلين عرفات محمد عبد الله، ومحي الدين جمال ابو سيف، وصالح باخريبة، وبابكر قباني وغيرهم. وعندما تقرر أن يذهب عرفات الى القاهرة ليكون وكيلاً للجمعية هناك، أرسل قبله الدرديري أحمد اسماعيل، ليمهد للأمر في القاهرة، فذهب وانجز المهمة بنجاح، ولدى عودته أقامت الجمعية حفل استقبال على شرفه بود مدني، وصدح شاعرنا على نور بقصيدة من بين أبياتها:- ذو العلم أجدر أن يصونه عن كل بادرة مشينة فالعلم طابعه الحجا والجهل ديدنه الرعونة والعلم للسودان مثل النيل جوهرة ثمينة بلد يعيش على الظلام وقد اثرت له دجونه ولى زمان المعجزات وجئت معجزة مبينة ونعود لنقول إن شاعرنا الثائر على نور تخرج في عام 1925م من كلية غردون والتحق بمصلحة المساحة مهندساً، واستقر بأم درمان، حيث تزوج من كريمة مفتي الديار السودانية آنذاك الشيخ أحمد السيد أحمد الفيل، ثم عمل في ود مدني سنوات عديدة، وكان في طليعة الناشطين بنادي الخريجين هناك، ومهرجانه الثقافي الذي يعد اللبنة الأول التي قام على أساسها مؤتمر الخريجين العام، الذي أصبح شاعرنا نور هو حادي ركبه حتى أصبح وصف «شاعر المؤتمر» جزءاً من اسمه، وكان معروفاً بالوطنية المتأججة اللاهبة.. أنظر اليه يقول:- حبذا السودان من بلد يفتدى بالروح والجسد نحن نبني لغد بالطريق الواحد الجدد ولو أن الله طيّرنا أو على الافلاك أمرنا قلت في سري وفي علني ربي ارجعني الى وطني وشاعرنا الكبير كان يكرس كل جهوده لوحدة الحركة الوطنية عبر مؤتمر الخريجين العام، وكان يكره الشقاق ويحذر منه في قصائده المشهورة، فعندما احتدم الصراع الشهير وسط الخريجين بين أنصار الشيخ أحمد الفيل، وأنصار محمد علي شوقي ارتفع صوت الشيخ عبد الله عبد الرحمن الضرير بقصيدة مطلعها:- انت احسنت في اختيارك للفظ وأحسنت في اختيار المعاني يوم ارسلتها على القوم شعواء واعملتها كحد السنان أشعلوها بالأمس حرباً عواناً انت اطفأتها بحرب عوان