رأي: عبد السلام كامل عبد السلام من أكثر ما يثيرني أن أجد استعمالاً للكلمة رائجاً في وسائل الإعلام، هو غير ما رصدت له في كتب اللسان العربي، بحيث لم يعد للكلمة الأصلية مجال للاستعمال وتعود غريبة على الآذان.. من تلك الكلمات التي تثيرني كلمة النابغة، وهي بمعناها المستعمل تعني المتفوق على بقية أقرانه في المجال العلمي، أو على الأقل في المجال الدراسي، فهل هو المعنى الموجود في كتب اللغة التي تقول إن النابغة هوالشاعر المتفوق على أقرانه من الشعراء، من بعد أن مارسه زمناً، ولكن بدون ملامح لنجاح، .وعندنا في الشعر العربي يوجد ثمانية شعراء يطلق عليهم اسم النابغة، وإن كان أشهرهم هو النابغة الذبياني واسمه زياد بن معاوية، ويشتهر بقصائده في الملك النعمان، وبخاصة وصف زوجته المتجردة، والنابغة الجعدي واسمه أبو ليلى عبدالله بن قيس، وقد قال الشعر في الجاهلية ثم سكت ثلاثين عاماً، وقال الشعر بعدها في الإسلام، وهناك شاعر ثالث لقب بالنابغة هو النابغة الشيباني، وعاش في العصر الأموي واسمه عبدالله بن المخارق بن سليم ومات في عهد الخليفة الوليد بن يزيد..من معاني النبوغ أيضاً خروج الدقيق من خصاص المنخل وتطايره ..أي إن المعنى هو الخروج بشدة من خلال الثقوب الدقيقة في المنخل، ومعنى ثالث هو أن نقول نبغ النفاق أي ظهر بعد ما كان خافياً، ونقول نبغ الرجل أي ظهر خلقه الحقيقي، بعد أن كان يخفي ما به من رياء أو نفاق أو مداراة وانكشف منه ما كان مستوراً.والكلمة الأخرى التي تثير كل مكامن الغضب عندي هي كلمة (أحفاد).. بمعنى أبناء الأبناء، كما ترسّخ في كثير من الأذهان، بحيث يصعب أن تجد شخصاً يستخدم غيرها.. بل لعله يستنكر عليه القول الصحيح باعتبار أن الغلط الشائع خير من الصحيح المهجور، كما (يفتي) بذلك بعض دهماء اللغة.. فماذا تعني كلمة (الأحفاد) ؟تقول كتب اللغة إن جمع حفيد هو (حفدة) ، وإن تباين المعنى.. أهو ابن الابن أم هو ولد الابن والابنة معا؟ فبعض الكتب تقول إن ولد البنت هو (السبط).. وأما ولد الولد فهو الحفيد.. بل تقول إن الفعل (حفَد يحفد) من باب (ضرب يضرب) يعني أسرع وخف في العمل.. أي إنه عامل نشط وخدوم..والاحتفاد هو السرعة في العمل أو أي شيء .. ومن هنا فالحَفَدُ والحَفَدَة هم الأعوان والخَدَمة.. وتقول كتب اللغة أيضاً إن الحفدة هم الأختان أو هم بنو المرأة من زوجها الأول، ويقولون إنهم الأصهار.. والحفدة أيضاً هم ولد الولد ! والحفْد والحَفَدان والإحْفاد هو الشيء دون الجنب.. ومنه محافد الثوب أي وشْيُه ونمنمته.. وهنا تأتي كلمة (أحفاد)..أي هم الذين يتولون عملية النمنمة والتزويق في السَجاد!! فهل هناك أية علاقة ما بين كلمة (أحفاد) وكلمة (حفدة)؟ ويكفي استدلالاً بخطل كلمة (الأحفاد) هو ورود كلمة (حفدة) بمعني أبناء الولد مطلقاً، من ابنه أو ابنته أو على الأقل هو ولد الولد في القرءان الكريم، وكفى به استدلالاً.. يقول تعالى في سورة (النحل) :( والله جعل لكم من أنفسكم أزواجاً وجعل لكم من أزواجكم بنين وحفدة ورزقكم من الطيبات أفبالباطل يؤمنون وبنعمة الله هم يكفرون) الآية ( 72 ).. وقد وردت أيضا كلمة (الأسباط) وهم أبناء البنت أو هم نسل أبناء سيدنا يعقوب.. ولا ننسى أن الحسن بن علي وأخاه الحسين بن علي هما أبناء السيدة فاطمة بنت الرسول الكريم محمد صلى الله عليه وسلم، وهما كما هو معروف سبط رسول الله .. لعلنا لا ننسى أنه في القنوت نقول (وإليك نسعى ونحفد) أي نبادر إلى طاعتك فإننا خدم لدينك القويم والصحيح.هل أذكر كلمات أخرى تثير غضبي؟ ولا أجد أكثر من كلمة (ريّان) تستخدم اسما للبنت، وكتب اللغة تقول إن الريان هو الممتلئ من الرجال في الجسم، وبالتحديد في الساقين.. ولا ننسى أن اسم فرعون موسى كما جاء في بعض التفاسير هو (الريان بن الوليد).. وكذلك أن من أبواب الجنة باب الريان لا يدخل منه إلا الصائمون.. والجيل القديم يعرف أن هناك حلوى مشهورة تسمى (ريّا) لا تنافسها إلا حلويات أخرى تسمى (سعد ).. ولا أدري من هي أول من سبقت النساء إلى هذا الاسم الرجالي فتبعتها باقي الوالدات.. ولكن أدري أنها متابعة غير جيدة.. وقد تغزل الشعراء في المرأة الممتلئة فيقول امرؤ القيس في معلقته إذا قلت هاتي نوّليني تمايلت عليّ هضيم الكشح ريّا المخلخل فهل سمعناه يقول ريان المخلخل أي ممتلئ مكان الخلخال..أي هل استنوق الجمل؟ الكلمات المستخدمة استخداماً خاطئاً كثيرة، وسأورد بعضها لفائدة القارئ، وأرجو أن تنتبهوا إلى كثرة تكرارها في أجهزة الإعلام.. وأولها تعبير (الزخم الإعلامي ) ويعنون به الانتشار، فهل هو المعنى المراد؟ تقول كتب اللغة إن الزخم هو رائحة اللحم المتعفن، أو هو رائحة صدأ الحديد عندما يتعرض للرطوبة فتأتي تلك الرائحة النفاذة التي تخترق ستور (الخياشيم).. فما هي العلاقة بين (الانتشار) و(العفونة)، غلا إدخال أحدهم الكلمة مرة ثم يتولى جاهلو اللسان العربي تكملة الباقي تباهياً بأنهم أضافوا كلمة جديدة إلى لغة الإعلام ؟كلمة أخرى كثيراً ما نراها في الخطب والمنشورات، وهي كلمة (الشجب)، ويعنون بها شديد الاستنكار لأمر ما.. فهل هي الكلمة المناسبة؟ تقول كتب اللغة إن الشجب هو الإهلاك و(شجب) أي أهلك، والشجب هو الحزن أو هو العنت، يصيب المرء من مرض أو قتال، والمشجب هو تلك الآلة التي تعلق عليها الملابس حتى لا تسقط.. فهل في كل هذه الكلمات ما يدل من قريب أو بعيد على معنى يقارب ما يستخدمونه فيه؟ إن اللسان العربي الآن يتعرض لهجمة كرارة من أعدائه وبعض منتسبيها بسبب أهمال أهلها لها، ولو حاول أبناؤها المخلصون أن يرصدوا هذه ال(الخطايا) لما تمادى الغافلون في غيهم، ولما وجدوا فرصة ليقولوا إنها ليست صالحة للعصر الحديث والعولمة وما بعد القرن العشرين..والحديث القادم، إن كان في العمر بقية، هو في الشعر!! تلفزيون السودان- أم درمان