لا شك ان شهر رمضان الكريم ليس كمثل سائر الشهور الاخري، ففيه نزل القرآن الكريم، وفيه ليلة القدر التي هي خير من ألف شهر، وفيه انتصر الاسلام والمسلمون أعظم انتصارين هما موقعة بدر الكبرى، وفتح مكة، وفيه من التعبد والتبتل والاعتكاف ما يرفع الإنسان الى الذرى الشماء. ولعل من الفضائل التى يحث الاسلام الصائمين على التحلي بها فضيلة كظم الغيظ وضبط النفس، ونجد ذلك في الكثير من النصوص، ولذلك نقول ان الكثير من المنغصات قد يصادفها الصائم خلال يومه فتؤلمه وتسبب له الضيق والأذى، وقد يتصرف إنسان يمشي في الطريق معه تصرفاً قد يؤذيه، وقد يغضبه زملاء العمل او أحدهم، والناس ليسوا على مثال واحد من الخُلق، لذا كان من اهم الفضائل ضبط النفس وكبح جماحها وكظم غيظها، ونحن نعلم ان من شمائل رسولنا الكريم عليه افضل الصلوات والسلام ضبط النفس في كل الأحوال والأوقات، وها هو يقدم عليه رجل يطالبه بَِّدينٍ ويغلظ له في الكلام حتى يغضب الحاضرون، وهذا عمرٌ يهم بايذاء الرجل، ولكن النَّبي عليه الصلاة والسلام يقول له: مه يا عمر، كنت أحوج إلى أن تأمرني بحسن الاداء، وكان أحوج الى أن تأمره بالصَّبر. وحدث مرة ان دخل عليه أعرابي وجذبه من طوقه حتى جرح عنقه وقال له : إعطني من مال الله الذي عندك، فإنك لا تعطيني من مالك ولا من مال أبيك، فقال النبي: المالُ مال الله، ويقاد منك يا أعرابي، وأعطاه ما أراد. إن ضبط النفس من أخلاق النبيين وأصحاب العزائم القوية والعقول الراجحة، يحمى صاحبه من ضرر الانفعال، ويجنبه مواقف الندم، ويسهل له حل المسائل التى يحول الغضب دون تذليلها، ويكسب صاحبه احترام الناس ومودتهم حتى الاعداء، وفي هذا يقول اصدق القائلين تبارك وتعالى( ولا تستوي الحسنة ولا السيئة إدفع بالتي هى أحسن فاذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم) وجعل الله الكاظمين الغيط من عباده المقربين الذين رضى عنهم وأثنى عليهم بقوله عز وجل:(وعباد الرحمن الذين يمشون على الارض هوناً واذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلاماً) وما اعظم توجيه رسول الله الكريم في قوله(ليس الشديد بالصرع، وانما الشديد الذي يملك نفسه عند الغضب) ويدخل في باب ضبط النفس وكظم الغيظ العفو عند المقدرة، فكم من الناس تبدر منهم هفوات فمن الخير التجاوز عنها، مع قدرتك على الأخذ بحقك والانتقام ممن أساء اليك، وكثيرة هى النصوص الكريمة ترغب في العفو والصفح، ومنها قوله عليه الصلاة والسلام فيما روى عنه( الصيام جُنة فاذا كان يوم صوم احدكم فلا يرفث ولا يفسق وإن سابه أحد أو قاتله فليقل اني صائم اني صائم)، ونختتم قولنا هذا بأن شهر رمضان المعظم بين شهور العام كالفنار يطلق أضواءه في فترات ترشد العابر، وتهدي الحائر، فلنصمه بحقه، وكل عام وانتم بخير.