بدأت أول يوم عمل رسمي في رمضان، بالوقوف (خلف) قفص الاتهام (أمام) مولانا مدثر الرشيد قاضي محكمة الصحافة والمطبوعات متهماً في قضية تتداخل فيها السياسة وتتقاطع مع الصحافة والنشر، مشكوّاً من قبل أحد رؤساء الأحزاب. عدتُ إلى الصحيفة بعد أن انتصف النهار، ووجدتُ نفسي (محبوساً) داخل مكتب صديقنا وزميلنا الأستاذ علي فقير عبادي، المدير المالي والإداري للصحيفة، لينضم إلينا صديقنا وزميلنا الأستاذ مأمون العجيمي، مدير عام شركة المنحنى للطباعة والنشر، ثم صديقنا وزميلنا الأستاذ عبد العظيم صالح مدير التحرير لمناقشة عدد من القضايا العاجلة التي لا تقبل التأجيل. انفض الاجتماع ليبدأ ثانٍ بعده يناقش أمر تسليم الصحيفة للمطبعة باكراً، ثم يناقش أمر الإفطار اليومي للعاملين الذين تصادف (ورديتهم) موعد الإفطار وهم يعملون في الأقسام التحريرية والفنية والإدارية المختلفة. انتهت الاجتماعات الرمضانية المرهقة، ونظرت إلى الأخ الأستاذ مأمون العجيمي وقلت له: (بالله بعد ده تاني الواحد يشتغل كيف.. ويكتب شنو؟) - لم يتردد الأستاذ مأمون العجيمي وقال لي ببساطة شديدة: (اكتب عن عمر سليمان، وهل بتفتكر إنو وفاتو طبيعية؟). خرجت من مكتب الأستاذ علي فقير عبادي، وليس في ذهني ما أكتب عنه، لكن ظل صوت الأستاذ مأمون العجيمي يرن ويتردد صدى ذلك الرنين باستمرار في ذهني، خاصة وأنني وبشهادة عدد من الزملاء حالما سمعت بوفاة اللواء عمر سليمان نائب رئيس الجمهورية المصري ومدير جهاز المخابرات السابق شككت في الأمر وقلت إن ما حدث يلفه غموض كثيف.. ثم تساءلت بالصوت العالي، ويا سبحان الله، عما كان سيحدث لو خاض اللواء عمر سليمان - رحمه الله - الانتخابات الرئاسية الأخيرة في مصر، وإذا ما فاز فيها، ثم توفي بعد أسابيع من إعلان فوزه (!!). استصحبت حديث الأستاذ مأمون العجيمي وأخذت أبحث عن أسباب وفاة اللواء عمر سليمان، ووجدت أن مدير مكتبه كنائب لرئيس الجمهورية، وهو اللواء حسين كمال، كان قد تحدث لبرنامج (نادي العاصمة) في إحدى القنوات التلفزيونية المصرية مؤكداً على أن الوفاة طبيعية، وقال إن حالة اللواء عمر سليمان الصحية أخذت في التدهور منذ ثلاثة أشهر نتيجة حزنه الشديد لما يحدث في مصر، الأمر الذي أدى إلى عدم إقبال اللواء سليمان على الأكل تماماً ليفقد الكثير من وزنه بعد أن فقد كل شهيته، وأنه سبق وأن تم نقله إلى مستشفى وادي النيل الذي شخص الحالة على أنها ضعف في عضلة القلب أدت إلى قصور في عمل الكلى قادت إلى ظهور مياه في الرئة، وقد أزيلت المياه ونصح بالسفر للعلاج في المانيا، وعاد منها إلى أبو ظبي، لكن المشكلة تكررت فكانت النصيحة الطبية بالمغادرة إلى مستشفى كليفلاند للقضاء على المشكلة نهائياً.. اللواء حسين كمال قال إن آخر محادثة بينه وبين اللواء عمر سليمان كانت يوم الأربعاء لتجيء وفاته المفاجئة فجر الخميس.. وفاة اللواء عمر سليمان ودفنه لن يغلقا الباب أمام القصص والحقائق والخيالات والغموض الذي لفه حياً وميتاً.