عندما سمع أستاذ الحاسوب باسمه في التشكيلة الوزارية صارح زوجته أن ثمة خطأ ما.. الدكتور يحي عبدالله منذ وقت طويل حدد عالمه في مجال ترقية وتطوير ثقافة الحاسوب.. لم يسع أبداً للسلطان..السياسة تطرق بابه ويتم اختياره كأول وزير لوزارة الاتصالات.. ما أخطأ حدس أستاذ الحاسوب.. بعد أشهر معدودات أخبروه أن المحاصصة تقتضي ترجله عن المنصب الذي آل لجماعة أنصار السنة المحمدية.. عاد الدكتور يحي عبدالله عبر عربته «الهونداي» المتهالكة إلى مكتبه القديم والمتواضع بجامعة السودان وغبّر يديه مرة أخرى بالطبشور. السمؤال خلف الله سادن الثقافة من أيام الاتحاد العام للطلاب السودانيين بمصر.. جاء من يخبره أن البرنامج الرئاسي يحمل بشرى للمثقفين بإنشاء وزراة تعنى بالهم الثقافي.. الشيخ السمؤال من فرط تواضعه كان يحسب أن المطلوب منه ترشيح شخص لحمل الأمانة.. بدأ السمؤال خلف الله القريش مهامه الوزارية بذات قوة الدفع الطلابية.. وقبل أن يثمر حلم السمؤال الثقافي أخبروه أن القسمة والنصيب تقتضي اختيار مستشار الرئيس السابق الطبيب أحمد بلال عثمان وزيراً للثقافة والإعلام.. لم يضع السمؤال وقته وهرع إلى شارع الزعيم الأزهري حيث تقبع مؤسسة أروقة الثقافية.. عاد السمؤال إلى الحوش القديم وفي النفس شيء من حتى. هبة محمود جاءت من أقصى المدينة وزير دولة بالتنمية البشرية.. خريجة القانون تخصصت في تطوير الموارد البشرية.. آخر موقع شغلته قبل انتدابها للوزارة كان إدارة شعبة التمويل الأصغر ببنك السودان.. بدأت هبة تراجع الملفات القديمة والشائكة في صندوق تشغيل الخريجين.. في آخر تشكيل وزاري تم إبلاغها باختيارها وزير دولة في وزارة الاتصالات.. اعتذرت هبة عن المهمة.. لأن الحكومة لا تصدق أن هنالك مواطناً سودانياً عيونه عسلية يرفض المنصب الرفيع تم إذاعة اسمها من بين فوج الوزراء الجدد.. الرائع جداً أن هبة استعصمت برفضها بمنطق أنها بعيدة عن مجال الاتصالات ورحم الله امرء عرف قدر نفسه. دكتور عابدين شريف جاءته الوزارة منقادة قبل عشر سنوات واعتذر.. أخيراً بعد إلحاح حميم من الحزب الاتحادي الديمقراطي المسجل ترك الأستاذ الجامعي موقع عمله بالبحرين ولبى نداء الوطن.. الخلخلة الأخيرة كانت تقتضي إيجاد مواقع تنفيذية للسياسيين المتنفذين.. خرج العالم عابدين شريف وجاءت للوزارة إشراقة سيد وآمنة ضرار.. الآن الدكتور شريف يحزم أمتعته استعداداً للرحيل. هؤلاء الوزراء يستحقون التقدير.. كلهم لم يمكثوا في الوزارة أكثر من حولين.. جاءوا إلى المنصب مسنودين بخبرة وتركوه غير آسفين.. في يد كل واحد من الأربعة سيرة ذاتية حافلة بالنجاح.. بمقدور أي منهم أن يجد مهنة بديلة ومجزية بعد مفارقة السلطان. في تقديري أن مشكلتنا التي سببت داء «الكنكشة» أن كل ساستنا يحترفون السياسة كمهنة.. يقضون كل عمرهم في الجلوس على الكرسي أو السعى للوصول إلى ذات الكرسي.