كان الشاب مهند تتحرك عيونه في كل الاتجاهات.. كل ركاب الطائرة التي تعبر المحيط الصاخب في طريقها لأمريكا استسلموا لسلطان النوم إلا مهند السوداني.. الشاب كان يتحسس جرحاً غائراً في ساعده بسبب مشاركته في العمليات العسكرية في جنوب السودان.. الجرح القديم كان كلمة السر التي تهيء له إقامة هانئة في الولاياتالمتحدة.. عندما اقتربت الطائرة من التراب الأمريكي دخل الشاب إلى المرحاض ومزق جوازه حتى لا تتم إعادته في ذات الطائرة.. تحدث إلى ضباط الهجرة بهلع مصنوع أن الموت ينتظره في السودان.. أشار الشاب إلى ساعده مفيداً الأمريكان أنه أصيب أثناء محاولته الهرب.. بالفعل نجح مهند في امتحان اللجوء السياسي وأصبح من مناصري الإنقاذ في المهاجر.. مهند مثل عدد كبير من المهاجرين يعزي هجرته لظروف اقتصادية ضاغطة. سفير السودان بلندن نفى بشدة أن يكون أحد أعضاء اللجنة الأولمبية السودانية قد طلب اللجوء السياسي في بريطانيا.. السفير الأزرق أوضح أن ثلاثة لاعبين سودانيين مروا على لندن في طريقهم إلى برشلونة هم من تقدم بطلب اللجوء.. وقلل السفير من نجاح الخطوة باعتبار أن بريطانيا تدرك مساحة الحريات والتطور الديمقراطي في السودان.. بمعنى أن السفير يطمئن حكومته أن طلب الشباب سيرفض ومن ثم ستتم عودتهم إلى السودان كرهاً. بداية أنا أتحدث كشاهد عيان كتب له أن يعيش في المنافي سنوات.. معظم السودانيين الذين يتقدمون بطلبات لجوء سياسي ليسوا بساسة.. دوافعهم اقتصادية في المقام الأول.. بعضهم جاء في رحلة كسب العلم ثم استطعم البقاء في العالم الأول.. الحياة في الغرب عموماً سهلة وممتعة.. الحد الأدنى من الأمان عالٍ.. يمكن أن تجلس في البيت دون عمل ورغم ذلك تركب عربة فارهة وتتلقى العناية الطبية في مستشفيات ذات سمعة عالمية.. أما إذا أردت أن تستزيد في طلب العلم فليس لك إلا أن تلجاء إلى الاستدانة والحساب«بعدين». هنال عامل مهم يشجع آلاف من أهل بلادي إلى الهجرة عبر طلب اللجوء السياسي.. البيئات الديمقراطية في الغرب لا تثق كثيراً في أنظمة العالم الثالث.. يكفي أن تسرد قصة رائعة السبك في حضرة موظف الهجرة.. حتى إذا تشكك الموظف المعني في الرواية فيمكنك أن تسأنف الأمر للقضاء.. في أسوأ الاحتمالات تستطيع الإقامة بصورة غير شرعية دون أن يتم ترحيلك عبر أسلوب «الكشة» المتبع في ما وراء البحر المالح. أخشى أن تصدق الحكومة السودانية رواية سفيرها في عاصمة الضباب وتنام في العسل.. الظروف الاقتصادية المتمثلة في السنوات العجاف التي جاءت وستجىء بعيد انحسار نفط الجنوب ربما تشجع عدداً كبيراً من الشباب للهروب من الوطن.. الروشتة الوحيدة التي يجب تداولها مزيد من الحريات التي تتم رؤيتها بالعين المجردة على أرض الواقع. في تقديري إن لم يحدث إصلاح سياسي واقتصادي فربما تتحول حكاية شباب الأولمبية الثلاثة إلى ظاهرة تصاحب وفودنا المغادرة إلى الخارج.