ü ثلاثة أخبار لفتت نظري واستوقفتني في صحف الثلاثاء، واحترت في تصنيفها، هل تدخل في باب «النقد الذاتي»، أم الصراع بين مؤسسات الدولة ومراكز النفوذ من ذلك النوع الذي درج البعض على تسميته ب«الضرب تحت الحزام»، ما همني أن الأخبار الثلاثة صادرة عن جهات رسمية أو حزبية تنتمي كلها للحكومة، ولا يمكن أن تتهم في ذمتها «الوطنية» أو تصنيفها «معارضة» مخذلة أو مناكفة تتصيد أخطاء الحكومة، وتحاول تأليب الشارع ضدها «دونما جدوى» طبعاً! ü الخبر الأول، يقول: اتهم المؤتمر الوطني «الحركة الإسلامية» بالتقصير في القيام بدورها في البعد الديني لانشغالها بالعمل العام والتنفيذي على حساب دورها التربوي والاجتماعي، وشبهها ب«الرماة في غزوة أحد الذين تركوا مواقعهم لجمع الغنائم»،الاتهام -بحسب الغراء «الصحافة»- صدر عن المسؤول السياسي بالمؤتمر الوطني «ولاية الخرطوم» الدكتور نزار خالد محجوب في تصريحات صحفية محدودة -أي لعدد محدود من الصحافيين- وقال نزار: إن قادة الحركة الإسلامية كالرماة في موقعة أحد تركوا مواقعهم ونزلوا للغنائم، وإن المجاهدين ومن تبقى من «مخلصين في التيار الإسلامي» تحركوا لحماية الدولة والحزب.. وإن الحركة الإسلامية قصرت في دورها في ملء فراغ البعد الديني.. وهذه الفجوة غطتها القوى السلفية، لذلك نجد الشباب منجذباً «للنموذج السلفي» لأنهم يفتكرونه «صادقاً وملتزماً». ووصف نزار محجوب مساعي مجموعة «السائحون» بأنها إصلاحية وقال إنهم جاءوا ليعيدوا للحركة الإسلامية رونقها. ü لنبدأ من الآخر، هذه هي المرة الأولى التي أسمع أو أقرأ فيها عن مجموعة أو فصيل سياسي أو إصلاحي تحت مسمى «السائحون»، لكن أهمية الخبر تكمن في أنه يؤشر بقوة ويفصح دونما تردد عن حالة صراع داخلي في المؤتمر الوطني بين قوى ومراكز نفوذ، بالرغم من نفي نائب رئيس الحزب د. نافع في حديثه الأخير للزميل ضياء الدين رئيس تحرير السوداني، خصوصاً ونزار ينتمي لجيل «الإسلاميين الوطنيين» الشباب ويتولى مسؤولية حساسة -المسؤول السياسي للحزب على مستوى العاصمة الخرطوم- واتهامات نزار لا تبتعد كثيراً عن «المؤاخذات» والانتقادات التي وجهها مسؤولون بارزون وكوادر ثقافية في الحركة والحزب قبل وبعد المفاصلة، منهم د.الترابي الذي اتهم تلاميذه السابقين بأنهم تعرضوا لفتنة السلطة وغواية المال وصرفتهم عن واجباتهم الدينية والوفاء بالعهود، وكذلك كتاب من أمثال التجاني عبد القادر وعبد الوهاب الأفندي، الذين أشاروا باستمرار إلى دور اقتصاد السوق والتجارة في انحراف الحركة وتحولها إلى حزب «رأسمالي» لا يأبه كثيراً لمثل وقيم التقوى والزهد ومعاناة المواطنين، طالما مشروعه السياسي-الاقتصادي يتحرك ويتقدم نحو مقاصده، وهو ما اختصره السودانيون في الطرفة اللاذعة التي تقول «الجماعة دخلونا الجامع ودخلوا السوق»، وهي لا تختلف جوهرياً عن ما ذهب إليه السيد نزار استناداً إلى مرجعية السيرة النبوية والقرآن حول معركة أحد التي انهزم فيها المسلمون بسبب لهفة الرماة على «الغنائم» وتركهم مواقعهم برغم تحذيرات النبي الأعظم صلى الله عليه وسلم. فنزار باختصار يقول أيضاً إن قادة الحركة الإسلامية قد صرفتهم الدنيا عن الدين و عن واجبات الحركة التربوية وكسوبها التنظيمية، ما أفسح المجال للسلفيين، وهو هنا يعبر كذلك عن صراع غير معلن وغير مكشوف مع «الحركة السلفية» المتنامية تحت عباءة حكم الحركة الإسلامية ولكن لحسابها الخاص، وهذا ما يُقلق نزار وآخرين في مواقع المسؤولية، إنه صراع سياسي لكسب الأنصار من الشباب وإن اتخذ جلباب الدين وعمامته مدخلاً للتجنيد. ü الخبر الثاني، يمتح من ذات المعين بلغة العرب أو «يمتخ من نفس الماعون» بعامية أهلنا الفصيحة، فبحسب «الرأي العام» الغراء فإن د. عمر علي رئيس لجنة الشؤون الاقتصادية بالمجلس الوطني كشف عن تحركات تقوم بها لجنته لملاحقة الشركات الحكومية والوزارات التي تقوم «بتجنيب الأموال»، وقال إنهم طلبوا من ديوان المراجع العام مدهم بتفاصيل الشركات والمؤسسات التي لا تخضع للمراجعة، وقال إن لجنته ستقف «بصلابة» ضد أي تجنيب لأموال خارج الموازنة، وقال «دايرين نشوف إيراداتها ومصروفاتها»، هذه «حجوة أم ضبيبينة» أخرى، ظللنا نسمعها عبر السنوات منذ عهد «أبوبكر عبد الله مارن» في الديوان، فكم شكا الرجل وشكا سلفه من رفض جهات حكومية تسيطر عليها أيدٍ قوية و«مسنودة تمام» لأية مراجعة لحساباتها مجنبة أو غير مجنبة، فهي شغالة «على كيفها» -وهو بالمناسبة عنوان لأحد أعمدة زميلنا عادل الباز «على كيفي»- فهذه الشركات أو المؤسسات الحكومية تعمل كما تحب وترضى، «ما حد مشاركها.. الحكومة حكومتها والفلوس جبتها أو استلفتها أو جمعتها بطريقتها» ولسان حالها يقول: «ما دخل البرلمان والمراجع العام والبيروقراطية المتخشبة دي في شغلنا، شغلنا معروف وربحان وبكسب دهب، وكمان متابع من جهات أكبر من المراجع العام والبرلمان، وإذا (غلطنا) أو (قصرنا) بتعرف كيف تحاسبنا.. انصرفوا عنا وشوفوا غيرنا.. افتح الله». ü الخبر الثالث، لم يخرج أيضاً من حظيرة السلطة والثروة وعلاقتهما بالسياسة والدين، نشرته جريدة «الانتباهة» تحت عنوان: «اتهام للزكاة بالخرطوم بتوزيعها على غير مستحقيها»، أهمية الخبر في أنه يتصل مباشرة بكيفية التصرف في أموال شعيرة دينية -محددة المصارف بالكتاب والسنة- وليس بالتقديرات السياسية، وخطورته تكمن أيضاً في أنه يتوجه بنقدٍ «حارق» لممارسات الدولة في أعلى مراقيها عبر برامج تبدو ذات مرجعية دينية في شهر فضيل كشهر رمضان، لكن نواب المجلس التشريعي بولاية الخرطوم، كما يقول الخبر: اتهموا ديوان الزكاة بالولاية بتوزيع الزكاة لغير مستحقيها عبر «برنامج الراعي والرعية» -الذي تشرف عليه رئاسة الجمهورية- وطالبوا بضبط البرنامج وتحديد الأسر الضعيفة التي تستحق الزكاة، فما دام رأس المال طالع من الزكاة الطالعة من أموال المسلمين الأفراد، فيجب أن توجه إلى مصارفها الشرعية وأن لا تستغل في أي أنشطة سياسية أو اجتماعية غض النظر عن مبرراتها، حتى لا يصح على أموال الزكاة المثل القائل «إلمها النمل ويطاها الفيل».. ولا مش كده يا مجالس العلماء والفقهاء والإفتاء؟.. تصوموا وتفطروا على خير. ü تنويه: من الأسبوع القادم ستبدأ الزاوية من يوم الأحد وحتى يوم الخميس، فقد «شيبتنا الإضاءات وأخواتها» وأرهقتنا صعوداً.. ورمضان كريم