كانت الساعة قد تجاوزت منتصف الليل ونحن حضور في صالون الترابي الفسيح..الشيخ الترابي في قمة نشاطه.. فيما كنا مجموعة من الصحفيين نتثائب بعد يوم حافل بالكد الصحفي..الترابي يصدمنا ويجعلنا نفرك اعيننا حينما اخبرنا انه بعد زيارة ميدان التحرير اوصى ثوار مصر بتقليم اظافر المجلس العسكري..نظرية الترابي ان العسكر يأتون للسلطة في اوضاع استثنائية ولكن بعد ذلك يطيب لهم الجلوس على العرش. من الراجح ان الترابي في رؤيته تلك كان يستوحي تجربته الخاصة مع الانقاذ..الترابي وصف قادة الثورة التي صنعها بانهم هدية السماء للارض..والترابي يتذكر جيدا ان الرئيس البشير اعترض بذكاء على مقترح تعيين الشيخ الترابي نائبا أول بعد استشهاد الزبير محمد صالح..منطق الرئيس انه لايمكن ان يرأس الترابي تأدبا واحتراما وانه يفضل ان يمضي الى داره ان اصر (الأخوان) على ذلك..ولكن في مفاصلة رمضان كان الفريق البشير يصنع انقلابه الثاني بجلباب وعمامة ويرسل الترابي الي السجن حبيسا بحق وحقيقة. التاريخ يعيد نفسه في مصر..مفاصلة رمضان تتكرر في نسختها المصرية..الشيوخ من ناحية والعسكر من ناحية اخرى..الرئيس مصري وبلعبة متقنة يستغل الغضب الشعبي من اثار حادثة الاعتداء على الجنود المصريين في سيناء..يقيل اللواء موافي مدير المخابرات في ضربة البداية..ثم يلتفت الى كبير العسكر المشير طنطاوي ويحيله الى المعاش ثم يجعله تحت بصره مستشارا بالقصر الرئاسي..وذات الأمر ينطبق على رجل مصر القوي الفريق سامي عنان. في سيناريو مصر اعتقد ان معسكر الشيوخ سينتصر على الجنرالات ..الرئيس مرسي يكتسب شرعية دستورية باعتباره رئيسا منتخبا..العالم حتى هذه اللحظة ابدى تعاطفا مع حكم الاسلاميين..مرسي يدرك ان الافضل له ان يتغدي بالعسكر قبل ان يلتهموه ليلا..كلما مضى الوقت وفشلت حكومة مرسي في حل مشاكل مصر المستعصية ، خبأ لهيب الثورة وفقد الشارع الأمل..في مناخ الاحباط كان يمكن لعسكر مصر ان يصنعوا انقلابا مرحبا به من الشارع المصري. في تقديري ان ادارة الرئيس مرسي تواجه ببعض التحديات في مشروع انهاء ازدواجية القرار..الاتجاه القمعي المتمثل في الضيق بحرية الاعلام واغلاق صحيفة الدستور وايقاف بث قناة الفراعين وتبديل كل رؤساء تحرير الصحف القومية يجعل كثيراً من التيارات المدنية واللبرالية تخشي ان تكون استبدلت قبعة الجنرال طنطاوي بعمامة مرشد جماعة الاخوان المسلمين..جماعة الاخوان وحدها لن تستطيع حماية الموجة الثانية من الثورة..لهذا يجب على مرسي ان يرسل رسالة واضحة ان مدنية الدولة ليست محل جدال او مناورة. الخطر الثاني الذي يواجه ثورة مرسي هو المؤسسة القضائية..في مصر ثلاث مؤسسات راسخة الجيش والقضاء والمؤسسة التنفيذية ..من الواضح ان الرئيس مرسي ودائرته القريبة بدأوا يراهنون على الشعب ثم اكتشفوا لاحقا ان اى قرار يمكن الطعن فيه يصبح هشا..محاولة احياء مجلس الشعب المنتخب تم اخمادها بواسطة القضاء..قرارات مرسي الاخيرة ان لم تكن محصنة دستوريا فالدكتور مرسي في ورطة ومصر في مأزق.