شدد عدد من قيادات دارفور من مخاطر انهيار الاستقرار على الشريط الحدودي مع دولة جنوب السودان مطالبين الحكومة ووفودها المشاركة في المباحثات الحدودية بأديس أبابا بعدم التنازل أو التفريط في بعض المناطق التي تم إقحامها مؤخراً من قبل حكومة سلفا كير والتي تم حسمها أصلاً في نيفاشا مثل جنوب بحر العرب «14» ميلاً. جاء حديث القيادات الدارفورية خلال ندوة سياسية بقاعة الشهيد الزبير نظمها منبر شباب شرق دارفور بحضور عدد من وجهاء المنطقة، خصصت الندوة التي حملت شعار (لا تفاوض حول حدودنا «سماحة»)، لمناقشة قضايا النزاع المفتعل بحسب المتحدثين، على سماحة التي تقع جنوب بحر العرب. الناظر حريكة عز الدين أمن خلال حديثه على أن التاريخ والقبائل التي تقطن المنطقة لا يمكن تجاوزها في مسائل البت أو حسم النزاع في الحدود، مطالباً بضرورة استصحاب أصحاب المصلحة في المحادثات التي تنظر في أمر الحدود بهدف الحفاظ على التعايش السلمي وتبادل المصالح المشتركة ديدن المنطقة وحالها القديم، وأشار حريكة إلى أن الحديث عن السلام لا يمكن حصره في الحدود فقط أو دولة بعينها، لذا من الأهمية بمكان الاستعانة بأبناء المناطق المتنازع حولها، مؤكداً في الوقت ذاته أن قضية جنوب بحر العرب أو منطقة سماحة على وجه التحديد، لا أساس أو منطلق حقيقي للنزاع القائم وفق حجة دولة الجنوب التي وصفها بالواهية، منوهاً إلى أن الحفاظ على التعايش السلمي كان يقوم على أساس القناعة وليس عبر التنازل السياسي ومحاولة إرضاء الخصم، وذلك بطريق مبدأ التشاور حول مناطق تابعة للسودان الشمالي وفق مواثيق تاريخية قانونية، كما أوضح الناظر حريكة إلى أن المؤتمرات النسوية التي كانت تعقد بين الأطراف لحسم أي نزاع يظهر من حين لأخر صغيراً كان أو كبيراً للمحافظة على بيئة التعايش السلمي بين مختلف قبائل الجنوب والشمال قبل الانفصال. واعتبر حريكة أن الجدل الحالي حول تبعية بعض المناطق للشمال أو للجنوب جدلاً سياسياً فقط لا يستند إلى حقائق ملموسة، وطالب قيادة الدولة بضرورة البحث عن حلول متكاملة لمثل هذه القضايا من الواقع الجغرافي والتاريخي، مشيراً إلى أن لجنة ترسيم الحدود التي تم تشكيلها مؤخراً والتي بدأت عملها عام 2005 استعانت في عملها بوثائق تم جلبها من أمريكا وبريطانيا ومصر وتركيا إضافة إلى الوثائق الموجودة الصادرة من إدارة المساحة السودانية، مؤكداً أن اللجنة تتكون من خبراء وسياسيين من دولة الجنوب وقعوا بأيديهم على كل ما تم تحديده من نقاط حدودية مع وجود خلافات حول المجيس وكاكا التجارية وهي تابعة لمركز رشاد، بينما لم يكن هناك خلاف حول هجليج وسماحة، واعتبر الناظر حريكة أن البترول أصبح شائكاً في قضايا النزاع الحدودي واعتبر تصريحات المفاوضين متضاربة، معللاً ذلك بجهلهم التام بالمنطقة. محمد عيسى عليوة بدوره قدم تفاصيل لوثائق تاريخية تحدد الحدود بين البلدين تم ترسيمها خلال الأعوام 1918-1924م، مشيراً إلى وثيقة من دينكا ملوال تؤكد على التعايش السلمي في المنطقة، وقال عليوة في هذا الشأن تم توجيه عدة خطابات إلى نائب الرئيس ووزير الدفاع توضح في مجملها ضرورة حماية وإغاثة منطقة جنوب بحر العرب. وأكد عليوة على أن منطقة جنوب بحر العرب كانت تمتد إلى 40 ميلاً وليس 14 ميلاً كما هو عليه الآن، واعتبر أن قضية سماحة أخطر من قضية أبيي لأنها لم تكن أصلاً موضعاً للنزاع أو الخلاف في تبعيتها، وحذر في حديثه الحكومة من التفاوض في المنطقة وعدم تمثيل المنطقة في أي من منابر المحادثات مع دولة الجنوب، معللاً ذلك إلى إمكانية تنصل الحكومة من أي نتائج قد لا تكون لصالح المنطقة بحجة أن أصحاب المصلحة الحقيقيين كانوا ضمن وفود التفاوض. عبد الحميد موسى كاشا والي جنوب دارفور سابقاً أوجز حديثه في أسطر قلائل وقال إن قضية جنوب بحر العرب أو قضايا النزاع الحدودي ليست مقتصرة على قبائل معينة بقدر ما تهم السودانيين أجمع واعتبرها قضية «أمن قومي»، مشيراً إلى أن انعقاد الندوة كان من المفترض أن يكون في ساحة أكبر أو في إحدى إستادات الكرة ليأخذ النقاش صيغة شعبية، وأكد كاشا على أهمية الحفاظ على السلم والاستقرار في دارفور وقال نحن مع علاقات طيبة مع دولة جنوب السودان ولكن ليس بصفقات تتم تكون مثيرة للشك والريبة، وطالب كاشا بضرورة إشراك أصحاب المصلحة في أي مفاوضات تخص مناطق التماس والإدلاء بالرأي بقوة، واختتم حديثه بأنه ليس هناك صدق في نوايا المفاوض السوداني لكن هناك افتقار ودراية حقيقية بطبيعة المنطقة والمعلومات حولها ليست كافية في طرحها على مائدة المفاوضات. عبد الله علي مسار وزير الإعلام السابق أشار في حديثه إلى أن النزاع ممتد من الفشقة على الحدود الأثيوبية إلى منطقة أم دافوق في أقصى غرب السودان، مطالباً بضرورة دفع الحجج القوية لضمان الحقوق الحدودية التي أصبحت بعد الانفصال حدوداً دولية ودعا إلى فصل القضايا عن بعضها وعدم ربط قضية البترول بقضايا النزاع الحدودي ومعالجة منهج التفاوض ووجود خبراء وفنيين يمكن التعويل على قراراتهم في نهاية المطاف، واعتبر أن الفشل في المفاوضات بدأ من نيفاشا إلى جانب أن الاعتراف بدولة الجنوب دون تحديد الحدود كان خطأ آخر، وتكوين لجنة سياسية كوسيط بين الرئاسة ولجنة الحدود هو الآخر كان خطأ جسيماً، وقال إن الطرف الآخر كان يقوم بوضع عدد من المطبات لإضعاف المفاوض السوداني في تقديم حججه، وأكد مسار أن المنطقة التي ظهرت الآن على ساحة النزاع غنية جداً بالموارد الطبيعية وهي بمثابة المورد الحقيقي الغذائي للسودان أكبر من مشروع الجزيرة وبها ثلثا الثروة الحيوانية ويمكن إنتاج السكر والأرز والقطن إذا ما تمت الاستفادة من الأرض بصورة فاعلة. وقال إن الجنوبيين يستعينون بخبراء أجانب، مطالباً السودان أن يستعين بخبراء ولو من خارج السودان. واختتم مسار حديثه بأن التفاوض المقبل في أديس أبابا يتم على خرطة واحدة وهناك روح التنازل من قبل وفد الحكومة واعتبر القضية قضية وطن، متسائلاً لماذا لا يتم تعيين عبد الحميد موسى كاشا على رأس وفد التفاوض بدلاً من آخرين بعيدين عن المنطقة المتنازع عليها طالما أن التفاوض يتم باسم السودان، مطالباً الدفاع عن القضايا من منطق قومي وليس قبلياً أو جهوياً وطالب الحكومة بأن تثق في أبناء السودان دون تمييز أو وضع درجات متفاوتة، وبنشر الجيش على طول الحدود المشتركة مع دولة الجنوب، منوهاً إلى أن جوبا نشرت حوالي 11 ألفاً من قواتها على الحدود.