كان الجنرال أحمد أبوالسعود ينظر إلى ساعته بقلق بالغ.. مواعيد الزيارة اقتربت.. فكر كثيراً في التخلص من القيد الذي يزين معصمه.. الساعة في السجن تجعل للزمن قيمة.. تجعل الحبيس يتذكر الفرق بين الأمس واليوم.. ماذا إذا لم يحضر محسن حسين.. سندوتش طعمية وحبل طوله ثلاثة أمتار كلفت مساعد وزير الداخلية السابق شقة في مصر الجديدة.. سأل الوزير الحبيس نفسه هل كان التاريخ سيكون مختلفاً لو لبى رغبة والدته والتحق بكلية الطب بدلاً عن كلية الشرطة. في هذه اللحظة طرق حارس الزنزانة على الباب.. بانكسار وعيون تبحث عن هدف بديل أخبر الحارس الوزير الأسبق بأن له زيارة في مكتب مدير السجن.. ابتسم اللواء.. فعلها محسن حسين وأحضر الدواء.. تذكر أن محسن كان دائماً رجل المهمات القذرة في وزارة الداخلية.. لم يكن محسن حسين شرطياً.. بل رجل أعمال له صلات مريبة بجميع الفرقاء.. لدى محسن حسين حكمة أن لكل شيء ثمن. عندما وصل السجين إلى مكتب مدير السجن وجد المكتب خالياً إلا من سيدة جميلة تجلس في ركن قصي من المكتب الفسيح.. ربما العقيد سعد أحمد سعيد تذكر الأيام الخوالي عندما كان ضابطاً صغيراً في الإسكندرية.. كان المفترض أن يحال الضابط الصغير إلى التقاعد بسبب تعذيبه مواطناً قيد الحجز.. العميد أحمد أبوالسعود الذي كان يشغل منصباً رفيعاً بوزارة الداخلية مزق الملف بحجة أن التحقيق يكسر هيبة الشرطة ويحيل العسكر إلى قطط أليفة.. سرعان ما فكر الحبيس بعقل المتآمر.. نظر ملياً إلى عدسة كاميرا المراقبة التي تصور أرجاء المكتب ثم ابتسم باستخفاف. مضى مساعد الوزير السابق إلى زائرته.. الحاسة الأمنية أخبرته أن محسن حسين أرسل المطلوب مع الحسناء.. ستدفع وحدها الثمن ويقبض محسن وحده قيمة الصفقة.. حدثته نفسه أن ينطق باسمه حتى يكشف المستور في الوقت المناسب.. تراجع الجنرال عن فكرة الخيانة.. بدأت الحسناء تنتحب ثم تلومه على ضياع مستقبلها.. استوعب الجنرال أن حبكة محسن قامت على ادعاء أن الوزير متزوج عرفياً من هذه السيدة الجميلة.. ضحك الجنرال من دواخله ساخراً من حكام مصر بعد الثورة. خرج الجنرال من المكتب بين يديه لفافة سندوتش الطعمية ومن ورائه حارس ضخم.. سلاسل الحديد على قدميه كانت تصدر صوتاً وجلبة.. كأنما تخبر الناس أن لكل أول نهاية.. وأن الجبار سيقصم ظهر الطغاة ولو بعد حين.. لأول مرة يمضي الجنرال أبو السعود إلى الزنزانة سعيداً.. لابد أن محسن حسين وضع المطلوب في اللفافة.. وجد الجنرال ضالته في جوف قطعة الخبز المكتنزة قمحاً..خيط من العصب الرقيق طوله ثلاث أمتار كفيل بإطلاق رصاصة الرحمة على رجل يائس وبائس. حدد الجنرال الحبيس ساعة الصفر لتنفيذ عملية الانتحار.. عند الغروب ينشغل الجميع بصلاة المغرب.. بدا الجنرال سعيداً وهو يتحسس الحبل السري.. كثيراً ما استخدموا هذا الحبل في تنفيذ مهام معقدة.. بدا الحبل قصيراً بعض الشيء.. حدث الرجل نفسه وهو يقترب من الموت.. أنه يضحي بنفسه من أجل شرف الجندية.. وأن الله سيغفر له هذا الذنب.. لأن ما قدمه من خدمات لأجل الوطن كفيل بترجيح ميزان الحسنات. بعد سماع النداء توجه الجنرال إلى النافذة الصغيرة التي تربطه بالحياة الدنيا.. تأكد أن الجميع مضوا لأداء الصلاة.. ربط الجنرال الحبل على النافذة ثم لفه بعناية حول عنقه الضخم.. الحبل السحري ينقطع يرفض أن يمد يد المساعدة للجنرال.. الجسد الممتليء يرتطم بالأرض محدثاً جلبة وضوضاء.. واحد من بقايا النظام السابق لم يتوجه لأدء الصلاة يهرع إلى الزنزانة ويقيد تهمة جديدة في سجل الجنرال.