صدر أخيراً عن دار الآداب البيروتية كتاب (السلطة والثقافة والسياسة) وهو عبارة عن مجموعة الحوارات التي أجريت مع الناقد والسياسي المثير للجدل إدوارد سعيد، جمع تلك الحوارات وقدم لها الناقد غاروري فسواناتان، وترجمتها الى العربية الدكتورة نائلة حجازي، وذيله مجموعة من الروائيين والنقاد العالميين، فقد قالت عنه نادين غودديمر الجنوب افريقية الفائزة بنوبل للآداب قبل عقدين إنه مدخل آسر وغير مباشر، وتاريخ استطلاعي لامع للثقافة والقيم المعاصرة، أما ريشار بواربيه فقد أشار الى أن إدوارد سعيد هو الناقد والثقافي والجيوسياسي المثير للجدل والأبرز في عصرنا. يعد إدوارد سعيد منذ فترة طويلة من أهم المثقفين الاجتماعيين في العالم، فقد فرض نفسه بكتاباته المتشعبة في عدد مذهل من المواضيع، ففي هذه الحوارات يتطرق الى كل شئ من نشأته الى فلسطين، الى بلوغه سن الرشد، ويمر بسير زملائه من النقاد بلوم وريدا فوكو ياما تشومسكي، ريموند وليامز.. وينعكس عشق سعيد للموسيقى والأدب والتاريخ في هذه الحوارات بقوة تشكل إضافة لا غنى عنها الى نتاج حياته الضخم والمتشعب.. أول ما يلفت الانتباه ليس عدد الحوارات التي أجراها إدوارد سعيد مع الصحافة، بل عدد الأمكنة التي أجريت فيها هذه الحوارات من آسيا والشرق الأوسط وأوربا والولايات المتحدة، الأمر الذي يؤكد وجوده على الساحة الدولية، كأحد أبرز المثقفين الاجتماعيين في عصرنا، فقد أثار الاهتمام بإنسانيته المتوقدة وتهذيبه وثقافته وآرائه الاستفزازية والتزامه الثابت بقضية فلسطين في تقرير المصير.. وتكشف الحوارات مجتمعة عن عقل يتجول بلا توقف عائداً الى ما طرح من أفكار في كتبه ومقالاته، ليطرحها بشكل جديد مطبقاً «الشكوكية» على الاستيعاب غير النقدي لأعماله وعلى معادلته النقدية الشهيرة «نظرية التجوال». لا يقلل إدوارد سعيد من خصوصية تاريخ الدول المستعمرة المختلفة، لكنه يرثي لنزعة التعامل مع دراسة التاريخ بمعزل عن الاعتبارات اللغوية والشكلية أو التعامل مع الأدب في معزل عن التاريخ والسياسة، ويشير الى أن الأدب والتاريخ كلاهما يمحصان الدلائل والترجمة. لا يوجد اليوم سوى قلة من الكتاب بغزارة انتاج إدوارد سعيد فقد ألف ما يزيد عن أربعة وعشرين كتاباً في مواضيع عديدة ومتشعبة جداً من النقد الأدبي الى السياسة في الشرق الأوسط مروراً بالأوبرا والسينما وأدب الرحلات.