لم يخطر على بالي عندما أعلنت دولة (العدو) الإسرائيلي أنها كانت تعد لضرب مصنع اليرموك لصناعة السلاح في الخرطوم منذ عامين، لم يخطر على بالي إلا ما نشرته صحيفة «رأي الشعب» الموقوفة حالياً - فك الله أسرها - عن قيام الحرس الثوري الإيراني ببناء وإنشاء مصنع للأسلحة المتطورة في السودان لمد حركة المقاومة الفلسطينية (حماس) بالسلاح، وتقديم الدعم المباشر لحلفاء إيران في المنطقة، بعيداً عن عيون الرقابة وأجهزة الاستخبارات العالمية. أذكر تماماً ذلك النشر، ويذكره غيري - بالتأكيد - ووجدت أن هناك رابطاً منطقياً وموضوعياً بين تاريخ النشر، وتاريخ الإعداد لضرب المصنع. لإسرائيل عيون وآذان في كل مكان، وربما كانت بعض السفارات والمقار الدبلوماسية الأجنبية أوكاراً للجواسيس من كل صوب وحدب ومن كل جنس ولون. الآن تعتمد أجهزة الاستخبارات - في كل الدنيا - على المعلومات التي تنشرها وتبثها الصحف وأجهزة الإعلام، وغيرها مما يتم تعريفه ب(المصادر المفتوحة)، وهذه تشكّل أكثر من خمسة وسبعين في المائة من مصادر تلك الأجهزة السرية التي (تقرأ) و(تستوعب) و(تحلل) وتقدّم نتائج ما توصلت إليه إلى السياسيين ومتخذى القرار. ضربة اليرموك لا يمكن أن نُرجع أسبابها إلا إلى ذلك التقرير الذي تم نشره في الخرطوم قبل عامين، وفي صحيفة تعبّر عن وجهة نظر حزب كان شريكاً في السلطة قبيل انقسامه، بل كان زعيمه عراباً للنظام بأكمله، ولذلك لا يتعامل الغربيون ولا تتعامل أجهزة المخابرات مع أي مادة صحفية منشورة في صحيفة لحزب كان له ذلك الارتباط القوي والوثيق بمفاصل الدولة ومحركاتها، وبمراكز اتخاذ القرار، لا يمكن أن يتم التعامل مع مثل ذلك الخبر بنوع من (الغفلة) أو (عدم المسؤولية) أو (عدم الاهتمام)، وهذه عناصر أساسية يتطلب العمل الاستخباري والأمني توفرها في التعامل مع مثل هذه الأخبار (الحساسة) ذات الصلة بالأمن القومي لدولة من الدول. قصف اليرموك كان متوقعاً، ولا استبعد شخصياً أن تكون أجهزة المخابرات والأمن في السودان قد توقعت ذلك منذ أن تم نشر الخبر المثير الذي جاءت ردة فعله متأخرة لكنها (قوية) و(ومدمرة) بعد عامين من النشر. أبني استنتاجي السابق بالتحذيرات التي أطلقتها الشرطة والأجهزة الأمنية قبيل عيد الأضحى المبارك، عندما أعلنت على ألسنة مسؤوليها أنها تتحسب لضرب منشآت حيوية في الخرطوم خلال عطلة العيد، وربما استهدفت الأعمال التخريبية محطات مياه أو كهرباء أو مجمعات.. لكنها لم تشر من قريب أو بعيد لمصنع اليرموك وإن كانت - في رأيي - تتوقع قصفه لسابق تجارب إسرائيل في التعامل مع كل ما تظن أن له صلة بحماس أو بالحركات الإسلامية في المنطقة. المطلوب من صحافتنا أن تكون مسؤولة وعلى قدر عالٍ من المسؤولية في كل ما يتصل بقضايا الأمن القومي، وعلى ساستنا التحسب لكل مفردة وكلمة تخرج من أفواههم، وعلى أحزاب المعارضة أن تلغي التعامل ب(عملة) الكيد المتداولة في أسواق التنافس الحزبي والسياسي لأن الذي سيدفع الثمن هو الشعب السوداني، وهو ثمن غالٍ (نخسر) فيه الأرواح قبل الأموال، ويعيدنا ألف خطوة وراء خط البداية. اتقوا الله فينا وفي هذا الوطن.. نناشدكم الله أن تكونوا على قدر المسؤولية.. وإلا... فاخلوا الساحة لغيركم..