خرج محمد أحمد من الشركة التي يعمل فيها وقد أنهى آخر يوم عمل قبل عطلة عيد الأضحى وهو في سعادة غامرة بعد أن تسلم من صراف الشركة مبلغ 1500 جنيه هي حصيلة (نصف) مرتب عن شهر أكتوبر بالإضافة لحافز انجاز صادق به مجلس إدارة للعاملين وفي طريق عودته للمنزل قرر أن يبتاع أضحيته ليدخل البهجة والسور في نفوس أطفاله الذين ينتظرون خروف العيد في شوق يماثل لهفة من قضى عشرات السنين بعيداً عن أهله.. وقفت سيارة الأجرة فترجل عنها محمد أحمد برفقة ضيف عزيز كلف محمد أحمد نصف ما لديه من مال أو يزيد أفضى محمد أحمد بتعليمات صارمة للأولاد لإجراء ما يلزم نحو الضيف الذي لم تدم فرحة الأطفال به لفترة طويلة فانصرفوا عنه بينما دخل محمد أحمد غرفته ممنياً النفس بقسط من الراحة، وبينما هو مستغرق يستعرض شريط يومه الزاخر بالانجازات فإذا بصغير له يطرق بعنف على باب الحجرة مصحوباً بنداءات استغاثة عاجلة تحث الأب على الإسراع لأن خروف العيد ولى هارباً. تحرك محمد أحمد بخطى ثقيلة لأن فائق الإيمان في قلبه يمنعه من سب أبنائه في تلك الأيام المباركات والذي يعده وأن حكدث اعتراضاً صارخاً على قدر الله المسطور. فتح باب المنزل وخرج وعلي مسافة ليست بالبعيدة عن منزله لمح تجمعاً لصبية الحي يتسامرون دنا نحوهم وفي أدب جم سألهم قبل أن يكمل سؤاله قاده أحدهم إلي منزل قريب من مكان تواجدهم اشتهر عندهم بمنزل الأستاذة علوية زوج المرحوم الصادق. تردد محمد أحمد في طرق الباب الا أن تأكيدات الصبية بأنهم قد شاهدوا خروفاً يدخل هذا المنزل قد ساهمت في نزع هواجسه فتقدم خطوة وطرق الباب طرقاً خفيفاً فتح الباب من الداخل فاذا به يرى بأم عينيه خروفه الذي يعمل تماماً هيئته يتحلق صبيان وصبية من أهل الدار حوله. أسرعت نحوه الصبية وكأنها تزف نبأ سعيداً قائلة في براءة الأطفال (شوف يا عمو أمي جابت لينا خروف العيد) وبينما هو كذلك اقتحمت الأم المنزل وهي ترتعد خشية أن يكون قد أصاب أحد أبنائها مكروه هدأ محمد أحمد من روعها واستمع إليها وهي تحكي قصتها مع الحياة وتربية أبنائها الذين فارقهم والدهم قبل بضع سنين. صمت محمد أحمد بعد أن ترك العنان لخياله ولازال يسترجع صدى صوت الصبية والذي أوشك أن يفتق أذنيه. هنا قرر محمد أحمد عدم أخذ الخروف فأصرت الأم الا انه وحسماً لهذا الجدل أقسم برب البيت بأن الخروف سيظل هدية كما ارادها لله لهؤلاء الأيتام وطفق عائداً إلى منزله وحيداً الا أن بالنفس سروراً ونشوة لما حدث. حكى لزوجته القصة كاملة فأمنت الصالحة على موقفه فدائماً مام عودها على مواقف الشهامة والكرم والرجولة. صباح اليوم الثاني قرر محمد أحمد الذهاب للكرين حيث يوجد تجمع لبيع الخراف وفي النية شراء خروف لا يتجاوز سعره خمسمائة جنيهاً لأنه منح والدة أولئك الايتام مبلغ مائتي جنيها لشراء مستلزمات الخروف. لم يجد هناك خرافاً ببيع وعندما سأل جاءه الرد سريعاً بأنها في الطريق. مكث قليلاً فاذا بعربة دفار تقف بالقرب منه وعليها ما يقارب المائة رأس من الخراف. سار نحو القطيع بعد أن ساهم مع الآخرين في عملية إنزالها على الأرض. توجه لا شعورياً نحو أكثرها اكتنازاً باللحم وسأل عن سعره. جاءه الرد كأنه في حلم «هذا الخروف مجاناً» أعاد السؤال الا أن الإجابة مازالت كما هي «مجاناً» تحسس محمد أحمد محفظة نقوده وفتحها فالمبلغ الذي بداخلها هو خمسمائة جنيهاً بالتمام والكمال. هنا صرخ بائع الخراف في وجه محمد أحمد طالباً مه إدخال محفظته في جيبه وأن يتوكل على الله ويقتاد ضحيته. لم يستوعب محمد أحمد الدرس حتى تلك اللحظة وعندما أحس بائع الخراف بحيرة محمد أحمد أعلمه حقيقة الأمر قائلاً: (هذه الخراف يملكها أبي الذي استحلفني بالله أن أمنح أول مشتري منها خروفاً بدون مقابل وهانذا أبر قسمه. هنا أيقن محمد أحمد بأن الله سبحانه وتعالى لم ينساه وعوضه خيراً مما قدم إذ أنه ظن كل الخير يفاطر السموات والأرض الذي لا تأخذه سنة ولا نوم والذي يقول في محكم تنزيله وهو أفضل وأصدق القائلين: (وهل جزاء الإحسان الا الإحسان..).