بينما كنت أزور أسرة من الأسر التي تمتُ لنا بقرابة بعيدة.. وقد ألحوا عليّ بالحضور إليهم ليعرفونني على تفاصيل قرابتنا.. كنا قد جلسنا نتسامر ونضحك.. ونعيد ذكريات عن أجداد وأعمام، فجأة دخل عليهم زائر لعله من جيرانهم.. ولاحظت توتراً على الجميع.. سلم الرجل وجلس وتعرفت عليه وكان مرحاً في حديثه الى أن قال : لاقيت بتكم «نادين» بره.. ماشة زي البطة.. قلت ليها يابطة انتي.. قامت زعلت وقالت لي: أوعه تقول لي كده وقعدت تبكي لمن حنستها.. بعد ذلك زاد التوتر.. وخرج البعض.. وعاد آخرون كأنهم في «حيص بيص» وأخيراً نادتني أم «نادين» نادتني بطريقة غريبة.. إذ أشارت عليّ من على البعد بيديها مما يدل على أن تعال.. وجئت فطلبت مني طلباً غريباً جداً- كما بدا لي- أن أحاول أن اقتطع سبيبة من شعر الرجل.. قلت ولماذا.. قالت بسرعة لأنه سحار وحاسد.. ولو ما شلنا سبيبه من راسو وحرقناها نادين بحصل ليها شنو وشنو؟ كان هذا أغرب طلب يطلب مني.. وشلت هم المهمة.. لكني أخذت ألف وأدور.. وأسأله عن عمره.. وإن راسه قد علاه الشيب.. وأن عدد الشعيرات البيضاء زاد عن السوداء.. وكدي جيب راسك.. ونزعت شعرة وقد استجاب الرجل بما جعلني أحس بالذنب.. قبضت على الشعرة كالكنز.. وخرجت بالسرقة وأعطيتها لأم نادين التي ذهبت وحرقتها فعادت إليها الإبتسامة.. - بررت لي تلك الأسرة بأن حرق الشعر من راس الحاسد يدرأ الحسد.. حقيقة اندهشت ولكنه فيما يبدو طقس عربي وربما عالمي.. يقول الباحث المصري أحمد أمين: يعتقد المصريون كثيراً في الحسد.. وخلاصة هذه العقيدة إن بعض الناس عنده خاصية في عينه.. إذا نظر الى شيء أماته أو أتلفه.. ويضيف.. ومن غريب في الأمرأن رجلاً عظيماً كابن خلدون يحكي هذا ويقول إنه شاهد بعض الناس إذا نظروا الى خروف أو نعجة نظرة خاصة أماتها، ثم إذا شُرحت وجد قلبها قد «تحتت».. وقال إنه رأى في بلاد المغرب جماعة من هذا القبيل يسمون «الباعاجين» - عندما خرج الرجل سألت الأسرة عن حكاية حرق السبيبة من شعر الحاسد هذه ومن أين جاءتهم؟.. لم أجد سوى أنهم توارثوها من الآباء والأجداد.. -سألتهم عن تجربتهم مع حرق السبيبة وهل أجدت في درء العين أو الحسد.. أجابوا بأنهم لا يعرفون لكنها طريقة مؤكدة في تاريخ الأسرة - بيد أن أحمد أمين يقول مشيراً الى فئة تتعمد الحسد بإجراء طقوس معينة تساعد على نفاذه:- ويعتقد المصريون أن الحسد يكون على أتمه إذا نظر الحاسد وشفع نظرته بالشهيق.. وكان من الشائع عند النساء إنه إذا نظر رجل تلك النظرة أسرعت المرأة وقالت: وراك ثعبان أوعقرب أو نار.. فيلتفت وراءه لينظر إليه.. وبذلك يذهب سحر عينه وذات مرة زارتنا امرأة من المثقفات وأبدت إعجابها باحدى بناتي.. وظلت تبالغ في الإعجاب فقلت: ماشاءالله.. ولم أكن أقصد شيئاً فغضبت المرأة.. وأخذت تدفع عن نفسها تهمة العين الحارة.. وخرجت غاضبة.