قفزت بخيالي وتذكرت زيارتي الأخيرة لسلطنة عمان الشقيقة قبل ثلاثة سنوات وتذكرت ما شاهدته من ملامح النهضة الحديثة التي فجرها وقادها صاحب الجلالة السلطان قابوس بن سعيد (حفظه الله) وتخيلت القفزات الكبيرة التي قامت بها السلطنة لتخرج من قمقم التخلف الى رحاب التقدم فيما يشبه المعجزات مما جعلني أثمن عالياً جهود جلالته وشعبه فى هذا الخصوص، ولا غرو فان الإنسان العماني تعرفه كتب التاريخ سندباداً جاب أهم بحار ومحيطات العالم بجسارة وساهم فى بناء النهضة الإنسانية نفسها سواء على الصعيد الاقتصادي أو الثقافي أو تطوير تقنية بناء السفن الشراعية التي كانت سيدة البحار والمحيطات آنذاك. كما ان ذهني ازدحم بالصورة المشرقة للإنسان العماني الذي استقبل الإسلام بإيمان عميق وإرادة طوعية ولم يكتف بنشره فى أرجاء عمان وإنما حمله الى أقاصي العالم القديم، ولا زالت جهود الإنسان العماني فى نشر الإسلام بالحسنى ترى آثارها الى الآن فى الكثير من بقاع العالم. ان ذكرياتي عن سلطنة عمان الشقيقة التي زرتها أول مرة قبل ثلاثين عاماً لأقول وانه قبل ان أعانق ثراها وإنسانها ومظاهر الحياة فيها ما كانت السلطنة فى ذهني سوى دولة تقليدية من دول العالم الثالث تعاني من ما تعانيه هذه الدول ذات الموارد المحدودة من إشكاليات، خاصة فيما يتعلق بالتنمية وآفاقها المتعددة، مأخوذاً ذلك مع تصوراتي القديمة حول التمرد الذي كان يمارس التخريب وانتهاك الحريات العامة والخاصة، والرافض لنداء التنمية فى ظل السلام متبعاً فى ذلك اغواء أفكار لفظتها التربة العمانية وحالت دون نماء بذورها. ولكنني كنت فى واد والحقيقة العمانية فى واد آخر أو قل ان ما كنت اعتقد انه ضرب من الخيال الدعائي الذي تمارسه كافة دول العالم كان فى الحق حقائق ساطعة كالشمس حيث وجدت ان سلطنة عمان تقف على رأس نهضة شاملة وضعتها فى مصاف ارقي الدول العصرية، وقد أصبح التمرد منذ أمد بعيد أثراً بعد عين وان آفاق المستقبل مفتوحة على مصراعيها أمام السلطنة الفتية. لقد عاش العمانيون قبل تولي السلطان قابوس فريسة للمرض، وكانت معدلات إنشاء المدارس فى عمان متواضعة للغاية، وفى مجال الزراعة لم تكن هناك سوى مزرعتين تجريبيتين تنقصهما الإمكانيات المادية، وكان هنالك تمرد يسعى للخروج عن طاعة الوطن الأم، وكانت عمان تعيش عزلة حقيقية حتى من محيطها العربي والإسلامي، وكان أهل البلاد يرزحون تحت وطأة الفقر. وما كان جلالة السلطان قابوس يجهل كل ذلك، بل كان على دراية تامة بما وصلت إليه الأوضاع، لذا كان يوم توليه مقاليد الحكم فى الثالث والعشرين من يوليو عام 1970م هو بداية انطلاقة السلطنة فى دروب التنمية والنهضة مستعينة فى ذلك بالوحدة الوطنية، والخطط والبرامج العلمية والعملية، وتحديث الجهاز الإداري للدولة، وقد ساهم كل ذلك فى إطلاق عمليتي التغيير الاجتماعي والاقتصادي من قيودها. وقد كان هنالك من يرى فى جهود جلالته ضرباً من الترف الفكري والخيال، ولكن الزمن اثبت عكس ذلك تماماً وصار الخيال حقائق تتحدث عن نفسها بعد ان تجسدت فى نهضة شاملة هي التي نراها اليوم متمثلة فى السلطنة الفتية السائرة دوما الى الأمام. وان كان التاريخ شخصاً متجولاً فلابد انه قد وقف طويلاً فى سلطنة عمان خاصة وان موقعها الجغرافي المتميز، ساهم الى حد كبير فى صناعة تاريخها الذاخر فهي تطل على الخليج العربي وخليج عمان والمحيط الهندي. وتأتي عمان فى مقدمة الدول التي أسهمت الى حد كبير فى التراث الإنساني بما قدمته عبر القرون. وقد اشتهرت عمان فى كتب التراث العربي بأنها بلاد الربابنة والادلاء الذي تعتمد عليهم المراكب الشراعية الصينية والهندية والعربية والأفريقية. ويصف الإدريسي 1169م فى كتابه نزهة المشتاق .. فى اختراق الآفاق بأنها بلاد ذاخرة بخيراتها كثيرة النخيل والفواكه من الموز والتين والرمان والعنب، ويضيف ويصطاد اللؤلؤ من مياهها ويضيف ان فى عمان دهناً مشهوراً يستخدم فى سد خروق المراكب بعد خرزها وبتلك المراكب جاب العمانيون المحيط الهندي وبحر العرب ووصلوا الى شرق أفريقيا والهند والصين. (نواصل)