تعتمد فلسفة الحركة الإسلامية وتقوم على الأركان الشرعية في الإسلام وهي الشورى والعدل والمساواة، ويعتمد برنامجها الاجتماعي على الفرائض التضامنية في الإسلام وهي الإخاء والتعاون، ويقوم نظامها التربوي والتعليمي على التزكية والتربية، وتعتمد علاقاتها الدولية على الأسس الدبلوماسية في الإسلام «لاينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم وتقسطوا إليهم». لقد بارك الله جهد المؤسسين الأوائل بمصر فعمت الحركة الإسلامية غالب أقطار العالم مثل الأردن وسوريا وجبهة الإنقاذ بالجزائر وحزب الإصلاح باليمن وحماس بفلسطين والجماعة الإسلامية بباكستان وحزب الفضيلة ثم العدالة والتنمية بتركيا والثورة الإسلامية بإيران. أما في السودان فقد تأسست الحركة الإسلامية بأكراً في نهاية النصف الأول من القرن الماضي كحركة اتجاه إسلامي وسط الطلاب ثم جبهة الميثاق الإسلامي ثم الجبهة الإسلامية القومية إلى أن مكّن الله للتجربة أن تصبح دولة قبل عشرين عاماً، إن الحركة الإسلامية السودانية وهي تعقد مؤتمرها في فاتحة العام الهجري تستصحب معاني الهجرة إلى الله.. هجرة من الذنب إلى التوبة ومن الخطأ إلى الصواب ومن الضعف إلى القوة ومن التردد إلى العزم الماضي. لعل من أهم الدروس المستفادة من هجرة المصطفى صلى الله عليه وسلم من مكة إلى المدينة، هي الخطة المحكمة والتدبير الحازم لإنجاح الرحلة المحفوفة بالمخاطر والتعمية على عيون الأعداء مما يعد مدخلاً تأصيلياً لأهمية وضع الخطط التفصيلية لتحقيق الأهداف والرؤى الكلية في حياة الفرد والمجتمع المسلم والدولة والاستعانة على قضاء الحوائج الكبرى بالصون و الكتمان، ويمكن الاستدلال على ذلك بتحضير دواب السفر واتخاذ خبير بمسالك غير مطروقة إلى المدينةالمنورة ومبيت سيدنا علي بن أبي طالب رضي الله عنه بفراشه في تلك الليلة الرهيبة ثم تكليفه له برد الأمانات والودائع إلى أهلها بمكة.. ومن دروس الهجرة في حسن الترتيب والتأمين مكوث النبي صلى الله عليه وسلم وصاحبه رضي الله عنه ثلاث ليالٍ بغار ثور قبل استئناف المسير، غير أن استصحاب معية الله تعالى بعد اتخاذ الأسباب كانت حاضرة عند النبي صلى الله عليه وسلم، فحين اشتد اشفاق سيدنا أبي بكر الصديق رضي الله عنه ذكّره صلى الله عليه وسلم بقوله: «يا أبابكر ما ظنك باثنين الله ثالثهما». إن الدروس في فداء الدعوة ومحبة النبي صلى الله عليه وسلم التي قدمها أبوبكر الصديق والصحابة الكرام رضي الله عنهم علينا استلهامها وتمثلها في حياتنا السياسية والتنفيذية والدعوية، حيث إن الوفاء بالتكاليف وإبراء الذمة في أداء الواجبات لا يكون قاصداً أو مأجوراً إلا ببذل الجهد وإفراغ الوسع والتلازم بسد الثغور. إن الحركة الإسلامية السودانية في حاجة ماسة وملحة لمراجعة شأنها كله إبتداءً من ممارسة الشورى بشكل حقيقي حر وشفاف يفضي بالمجتمع والمؤسسات إلى نتائج مبروكة موفقة بعيداً عن الإملاءات والقرارات المطبوخة وتأثير أرباب السلطان بالترغيب أو الترهيب، الطريق الوحيد الذي يعطي الحركة الإسلامية الإرادة والقدرة على التماسك وتجنب الخلاف والانقسام باستيعاب الآراء الناقدة والمشفقة الداعية للإصلاح وترشيد الأداء وتصويب الأخطاء بشجاعة والبعد عن أسباب الفشل وذهاب الريح التي مكنت ثوار الربيع الإسلامي من البروز عندما توافرت أسباب انهيار الأنظمة الظالمة والطواغيت المستبدين الفاسدين. إن بروز الحركات الإسلامية في ساحات الحكم ضد تيارات ثورات الربيع العربي والإسلامي سوف يسهم بلا شك في تغيير المعادلة بين العالم الإسلامي المقهور والنظام العالمي الاستعماري الجديد مما يفك الخناق عن تلابيب السودان الذي ظل وحيداً في بؤرة الاستهداف المنظم ككيان إسلامي برز للحكم مبكراً وظل أكبر المتضررين من بطش الأنظمة الدكتاتورية المستبدة بدول الجوار التي كانت تستعجل وأد النظام الإسلامي في السودان حتى لا يغدو نموذجاً يحتذى بدولهم، فأراد الله أن تدور عليهم الدائرة وينجو النظام الإسلامي في السودان، الذي يتطلع اليوم لوفاء جيرانه من حكام الإسلام الجدد ورثة الأنظمة الظالمة بأن يواسوه ويردوا بعض مظالمه وجميل صبره. ختاماً لاتزال الآمال معقودة على استمرار عطا الحركة الإسلامية السودانية مادامت عازمة على التحرر من أسرها والاستفادة من تجاربها وأخطائها واستنهاض همم أبنائها وتلبية أشواقهم وآمالهم بالأوبة الصادقة لميراثها الأخلاقي في المناصحة والمراجعة والمحاسبة والتركيز على وظائفها الأساسية في الدعوة والتزكية ومخاطبة القضايا الكبرى للأمة السودانية، والتصدي الأمين للتحديات الداخلية والخارجية بمؤسساتها السياسية والتنفيذية والخروج من جدلية الحاءات الثلات بتحديد الوظائف وتنسيق الجهود والعهد بأمانات القيادة والولاية للأقوياء الأمناء.. وبالله التوفيق.