قراءة الآثار: باديء ذي بدء أهنيء دولة قطر بالمسيرة القاصدة نحو تأصيل الحضارة في وطنها المتحضر على كل المستويات، تتسارع قطر لتكون وطن صناعة السلام وإجراء معاهدات الصلح، وبهذا تستحق تطويبة السيد المسيح طوبى لصانعي السلام لأنهم أبناء الله يدعون، وعلى مستوى حوار الأديان تتألق دولة قطر في المؤتمرات التي تسير نحو المؤتمر السابع والذي يجمع الديانات الأساسية والتوحيدية المسيحية واليهودية والإسلام، وآخر صيحة في المسيرة افتتاح متحف الفن الإسلامي في 22 نوفمبر 2008م والذي أعتقد أنه لن يتجاهل التحف النادرة للتاريخ المسيحي واليهودي، ولن يتجاهل نموذجاً للآثار المسيحية خلال العصر المسيحي في السودان والذي بدأ منذ القرن الأول حتى القرن السادس عشر وسوف يجد المتحف الإسلامي في قطر تشجيعاً كبيراً من متحف السودان القومي الذي وحتى يوم أمس يستقبل العديد من الآثار والتحف النفيسة في شمال السودان وعلى الأخص آثار حضارة مروي خلال تأهيل مروي لبناء السد العظيم وما يتبع هذا من إنقاذ لآثارنا السودانية العتيقة، وفي عدد فبراير 2009م من مجلة الدوحة بحث مستفيض عن الآثار كتبه دكتور محمد حرب، والذي تحدث فيه عن وظيفة المتحف في خدمة الثقافة في المجتمع وتطوير المعارف العامة اعترافاً بحق الناس جميعاً في اكتساب المعارف والمعلومات، لأن المتاحف تضع إبداعات الفنون الجميلة من أصقاع الأرض والقارات أمام أنظار المشاهد، وتختصر الزمن وتقرب المسافات المتباعدة وتجعلنا نحيا تاريخ العالم القديم وندرس تقاليده وآثاره، وتيسر التلاقي بين العقول، لأن للأثر الفني الرفيع لغة خاصة مشتركة يدركها الإنسان بنظره ويتلقاها بإحساسه وعقله دون حاجة لكلام أو تعبير كلغة الموسيقى التي تتجاوز حدود الزمن واللغات والمكان. ويدعو الدكتور حرب إلى قراءة الآثار قراءة واعية ذات تأمل عميق حتى ندرك كيف يسمو الصانع الماهر بإنجازه المتقن ليرتقي به من الغاية العملية المباشرة إلى الغاية الإبداعية عندما يكون هو نفسه عميق الإحساس بالجمال، وعندما يتسامى بعمله وبالشيء الذي يصنعه من الواقعية إلى الاستثناء، أي يتمتع الفنان بالاستثنائية التي تجعل الآثار حركة في دواخلنا نلمس بها أهداب الخلود وندرك إحساس الفنان الذي يقع بين حدين مادة في يده وصورة مثالية في رأسه يسعى إلى إنجازها، وعندما يتسامى العمل الفني إلى درجة من الإبداع المثالي والاستثنائي يخرج هنا من الإطار الجغرافي المحلي ليدخل في طور الإنسانية، وهكذا تقترب من الأعمال الفنية الرائعة ونقترب نحن منها وقد وصلت الينا من أزمان بعيدة وأصقاع متباعدة. حماية الآثار: بعد الحرب العالمية الثانية، وفي عام 1947 تأسست المنظمة الدولية للتربية والثقافة والعلوم (أونسكو يونسكو)، وهي ذات مباديء إنسانية عالمية تدعو إلى نشر التعليم والثقافة بين جميع المواطنين في جميع بلدان العالم، وتؤسس لفلسفة تربوية تقوم على أسس من الاحترام المتبادل والتسامح وتقدير أدوار الشعوب في خدمة الحضارة الإنسانية، ومن مهمة اليونسكو حماية الآثار وحماية المتاحف ومؤسسات التعليم والبحث العلمي والثقافة والفنون، ودفع الدولة المتقدمة للإسهام في الجهود الدولية لرعاية آثار التراث الإنساني ونفائس فنونه الجميلة. ولقد بدأت المتاحف في بيوت الأمراء والنبلاء ثم انتقلت بعد هذا إلى متاحف متخصصة، ويعد المتحف الأشمولي في أوكسفورد بريطانيا أقدم متحف في العالم، حيث يرجع إلى عام 1683م، وكان على اسم إلياس أشموليان الذي كان باحثاً في الثقافات القديمة مهتماً بآثارها، ومن اسمه ربما يكون من أصل آرمني أو شرقي، وجاء هذا المتحف تدعيماً للجامعة ولحركة الطباعة وللنهضة الأدبية والفنية والعلمية في القرن السابع عشر. ويلي متحف أشمولي المتحف البريطاني في لندن، وافتتح في عام 1795م والذي احتوى على وثائق وآثار ونباتات ومغتنيات كثيرة، وقد بدأ باستقبال متاحف الآثار التي كانت في بيوت الملوك والنبلاء والأغنياء والذين هم أنفسهم بدايات المتاحف. أما في فرنسا، فقد أفتتح قصر (اللوكسمبورج) في العهد الملكي وكان يستقبل الناس من أفراد الشعب للزيارة والتمتع بموجوداته بعض أيام الأسبوع، وعندما جاء العصر الجمهوري لفرنسا نقل المتحف إلى قصر اللوفر وحمل اسم متحف اللوفر عام 1789م وصار أكبر متاحف العالم. وفي نيويورك تم تأسيس متحف نيويورك عام 1880م ويضم مجموعات ضخمة من اللوحات الفنية وأعمال النحت والمجسمات والنسيج والأفلام والكتب والصور، وقد استقبلت متاحف أوربا وأمريكا معظم ثروات الشعوب والدول المغلوبة التي وقعت تحت أنظمة الاحتلال والانتداب الدولي وما عندها من آثار مكتشفة، وكنوز خفية، ومخطوطات ورسومات بالموزابيك ونقوش على صخور، وقد أهتم نابليون بالآثار وغالباً ما كان مدير الآثار في المتحف المصري فرنسي الجنسية، وكانت مع نابليون بعثة آثار عثرت على حجر رشيد وتم فك طلاسم الحجر بواسطة كاهن قبطي يجيد اللغة القبطية.