المؤتمر الوطني يُعد من أحزاب الشرفات العالية والغرف المغلقة، لا تنشط قيادته- على مختلف مستوياتها- إلا في مواسم التعبئة والحشد، ليتفاعل معه حتى منسوبيه على أنه آلة تفريخ للوزارة والمناصب القيادة العليا بالجهاز التنفيذي.. أما الحركة الإسلامية فتعيش هذه الأيام حالة «مشاهدة» في الازدواجية تسببت في انقسامها تنظيمياً وسياسياً إلى محاور شتى يدّعي كلٌ منها صحة خطه وصلاحه فيما ينادي بتقويم الآخرين.. في جانب الحركة الاتحادية فمازال النسيان يحجب عن ذاكرة الأبناء ما سطره الآباء من مواقف مشهودة تجاه الوطن، لذا تجيء مخرجات هذه الذاكرة- حاضراً- كمسخ مشوه من المواقف يئن لها السلف في قبورهم، بينما نجد أن حزب الأمة قد انشطر باكراً إلى كيانين، أكثرها نفوذاً وأقواها حضوراً في الساحة أصابته لعنة الأعداء، فتشرذم إلى بيوتات متناحرة حول الزعامة، فأخذ سوس الولاءات العمياء يهاجمها في كل صوب فيما سيف الاستقطاب الحاد يهدد وحدة الحزب ويتنازع عضويته بين الانحياز للتاريخ أو السقوط في حضن المؤتمر الوطني ضمن مجموعات الطبقة الثانية، الحزب الشيوعي لم يعد بوتقة حاضنة للمثقفين والفئويين والعمال والفلاحين دون سواه كما كان، مما أفقده الواسع من أراضيه الخصبة والتي اشتهى أن يزرعها في يوم من الأيام بمشاركة جماهيره «قمحاً ووعداً وتمني» أما الأحزاب القومية الأخرى فقد ساهمت أخطاء سياسات قادتها القوميين في التشكيك بدورها الذي صاغته لنفسها وقدرتها في الصمود أمام زحف الحركات الإسلامية تجاه جماهيرها. إن كامل الخارطة الاجتماعية لبلادنا وحسب المؤشرات، لم تعد كما ألِفناها إذ فارقت البسمة شفاه الأطفال واليتامى المحرومين، والمرضى الذين تضمهم قوائم الانتظار من أجل قسطرة للقلب، أو عملية جراحية في الكُلى.. وارتفعت نسب الطلاق، وزدادت حالات فرار الآباء من أسرهم وذويهم لعدم القدرة على الإنفاق، كما تصاعدت معدلات الانتحار وقتل النفس التي حرم الله إلا بالحق. كذلك برزت عياناً وتصدرت أخبار المحاكم في الصحف اليومية ممارسات المثليين بعد أن كانت مستورة- لا يعلمها إلا من يمارسها- في تحدٍ صارخ لأخلاقيات ومعتقدات هذا الشعب المسلم، والتي تصنف تلك الممارسات على أنها رذيلة وجريمة توجب إقامة الحد. كما تفشت ظاهرة تعاطي حبوب الهلوسة والمخدرات هرباً من واقع مرير يعيشه الكل باستثناء ثلة تقف على مفاصل الدولة، وتتحكم في نشاطاتها. هذا الوضع المضطرب داخلياً لشعب يختزن ضمن تجاربه إنجاز ثورتين شعبيتين في عقدين من الزمان مقروناً بحالة عداءٍ سافر لدولة الجنوب، لا يسندها المنطق ولا تُراعى فيها مصالح الغالبية العظمى من شعبنا الذي أوشك الطير أن يتخطفهم أحياءاً لنفاذ صبرهم، وقلة حيلتهم مع إنتهاج سياسة تنقصها- في الأحيان- اللياقة وعدم الكياسة في التعاطي مع قضايا المحيط العربي والأفريقي. مضاف لذلك قيام الحكومة- بين الفينة والأخرى- وبتأليب من جماعة الضغط المتشددة داخل الحزب والحكومة بمعاداة الدول صاحبة الحل والعقد في السياسة العالمية الراهنة، مما ينعكس سلباً على الوطن بأكمله بتوفير فرصة التآمر عليه تحقيقاً لأطماع يخفونها بانتظار الفرصة السانحة للانقضاض عليه وتفكيكه لدويلات حتى يسهل اصطيادها منفردةً في نهاية الأمر. عليه فإن الواجب تجاه الوطن يُحتّم علينا- اليوم وقبل الغد- أن نعدل ونعتدل في سياستنا داخلياً وخارجياً ونعمل على رص الصفوف، وتوحيد الإرادة بالابتعاد عن عوامل ومسببات الفرقة والاختلاف والتسامي على الصغائر من خلال إعلاء قيمة المكاسب الوطنية صوناً لتراب هذا الوطن وحفاظاً على بنيانه من كوارث محتملة الحدوث؛ تزكيها ممارسات السياسيين والذين تقع عليهم مسؤولية استيعاب الدرس قبل غيرهم.