وما ذا عن قياداتنا الحزبية ..ألا يشملها التغيير !! جعفر عبد المطلب [email protected] كما قلنا سابقا ان حركة التغيير أصبحت حتمية وقد كانت وليد شرعي للتراكمات و الإحباط واليأس وإنسداد الأفق في وجه الشباب .شباب فقد الحلم في الذي يأتي ولا يأتي ! وفي الأمل في الحصول علي وظيفة أو زوجة يسكن اليها ثم أسرة تمنحه الدفء والذرية الصالحة . ساعدت في إنتشار حركة التغيير هذه ثورة الإتصالات التي جعلت من العالم بقدر إتساعه جغرافياً يضيق ثم ينكمش تكنولوجيا ليصبح أصغر من \" حي \" ولا أقول قرية! هكذا لعبت شبكة الإنترنت ووسائطها المتعددة ، مثل الفيس بوك وتويتر ويو تيوب وغيرها دوراً خطيراً، سيقف عنده المراقبون والمحللون السياسيون والمؤرخون وعلماء الإجتماع طويلاً .بما أن الشباب يتعامل مع ثورة الإتصالات هذه بمهارة وحذق وذكاء ،أذن فإنهم ما عادوا في حاجة الي \" الكريزما \" ولا الزعيم الأوحد ولا القائد الملهم ، يكفيهم فقط الحصول علي جهاز كمبيوتر مربوط بشبكة الإنترنت ! .هذا تغيير خطير في الحياة السياسية . علي قيادة الأحزاب ان تدرك ذلك جيدا ، وان تتفاعل معه التفاعل الإيجابي الذي يستحق .واهم ومكابر من يظن ان التغيير العنيف الذي يزلل حالياً محيطنا العربي،يستهدف الحكام فحسب ،هذا تغيير شامل يبحث فيه الشباب عن حقوقهم المشروعة في الحياة ، يدقون بعنف علي أبواب الذين ظلوا يحتكرون حياتهم ويوصدون في وجوههم آفاق المستقبل والأحلام المشروعة علي صعيد الحكم او المعارضة نصف قرن من الزمان ويزيد .قد لايسعنا هذا الحيز علي ضيقه أن نقدم عرضاً تاريخيا للأحزاب السودانية . ولكن حسبي أن أقول انه منذ أن خرجنا الي هذه الدنيا وجدنا هذه الزعامات الحزبية تتربع علي سدة القيادة في أحزابها ( مولانا الميرغني في الإتحادي الديمقراطي – السيد الصادق في حزب الأمة القومي – الدكتور الترابي في المؤتمر الشعبي –الأستاذ نقد في الحزب الشيوعي – المشير البشير في المؤتمر الوطني ...الخ ). ربما المؤتمر الوطني إستثناءأً في وجود عدد كبير من الشباب في مناصبه القيادية ، وهوما يفسر وجود كوادر مدربة فيه - إلا انه للأسف الشديد رغم أنهم شباباً فقد تعدوا علي المال العام وعاثوا في الأرض فسادا ! .أذن هذه قيادات تاريخية قدمت للوطن الكثير و ما قدمته يترك تقديره للتاريخ . لهم التجلي وفائض الإحترام ، لاسيما و فيهم من يمشي الهويني نحو الثمانين وبعضهم بلغها ( دكتور ترابي إحتفل وهو سجين بعيد ميلاده الثمانين قبل أيام ) نتمني له المديد من العمر والحرية. الحركة الشعبية ايضاً افسحت المجال لشبابها ليتصدر القيادة - الأستاذ ياسر عرمان والأستاذ باقان أموم وغيرهم من شباب الحركة – ولكن للأسف هم الذين كانوا أكثر حماسا لتشطير الوطن ، ولم يهدأ لهم بال حتي تأبطوا الثلث العزيز من الوطن ومضوا ! يحضرني موقف تاريخي أحب دائما ان اقصه علي أبنائي كلما تأتي ذكري ثورة أكتوبر المجيدة، الا أنني اورده هنا لأدلل علي ان قياداتنا الحزبية مخضرمة وربما \" معتقة \" !. في ذلك الصباح الذي أغلقت فيه المدارس وطلب منا التوجه الي مستشفي الخرطوم حيث يحمل جثمان الشهيد القرشي الي \"القراصة \" ليدفن هناك .كنا في بداية المرحلة الثانوية ،- الشاعر دكتور مبارك بشير والراحل الفنان التشكيلي أحمد عبد العال له الرحمة والأستاذ عصمام عبد الماجد أبوحسبو والأستاذ أبوبكر يحي الفضلي- أين هُم !. كانت الكتل البشرية المتلاطمة تسد شارع القصر علي طوله وتتمدد في إتجاه شارع الحرية ، منظر مهيب ورهيب لايشبه إلا منظر ميدان التحرير أيام ثورة الشباب المصري .لكن نحن كعادة اهل السودان زاهدون ، ويرتفع عندنا منسوب الحياء بشكل سالب أحياناً ، الي الحد الذي لانعرف كيف \" نسوق \" أشياءنا ، مثلما لا نعرف كذلك كيف \" نسوق \" أنفسنا في سوق العمل خاصة عندما يكون السوق متعدد الجنسيات! وجدت نفسي ممسكاً بيد الدكتور محمد صالح عمر وقد عرفني بنفسه وهوالذي أستشهد في معركة الجزيرة أبا المقدسة ( هل ياتري يفتح الآن ملف الجزيرة أبا التي دفنت بأهلها وضرعها وزرعها وبيوتها تحت الأنقاض! خاصة وحسني مبارك الذي اشترك فعليا في ضرب الجزيرة أبا بالطائرات موجود في شرم الشيخ كحاكم معزول وليس في قصر عابدين ! ثم مر من أمامنا شاب باسق الطول ملتحي يرتدي زي أستاذة كلية القانون في جامعة الخرطوم ، تحيطة مجموعة من الأساتذة ، قيل لنا هذا حسن عبدالله الترابي أحد قادة أكتوبر . وصلنا ميدان عبد المنعم بعد ساعات طويلة من الزحف المقدس والإنتظار ، حيث صلي السيد الصادق المهدي صلاة الجنازة علي الشهيد القرشي ، ثم إنطلقت الجموع القفيرة صوب القراصة . أذن منذ ذلك التاريخ وقياداتنا الحزبية تتربع علي سدة الرئاسة في كل الأحزاب السودانية الجماهيرية منها والعقائدية ! نصف قرن من الزمان ، وهؤلاء يحتكرون قيادة الأحزاب ، كانما أحزابهم هذه أصابها العقم ، لايأتي من رحمها من يخلفهم ! هذا الوضع الغريب اصاب أحزابنا بالضعف والجمود والبؤس. حيث إفتقرت الي المؤسسية ، والبرنامج ، والكادر المدرب، وأصبحت تدور في فلك الرئيس ، مما افقدها القدرة علي التطور والإبداع . لابد من إفساح المجال للدماء الجديدة من الشباب اليوم وليس غداً ، لأنهم وحدهم القادرون علي تطوير الأحزاب حسب عصرهم من تصميم الهياكل التنظيمية وإعداد البرامح وتدريب الكوادر القادرة علي التعاطي مع أساليب الحكم والتصدي لقضايا الجماهير وإيجاد الحلول لها .بدون ذلك تظل أحزابنا هياكل عظمية ، تتعاون مع الحزب الحاكم حيث تكسبه الشرعية \" ويعطيها الفتات في ما يسمي بحكومة الوحدة الوطنية \" تارة و تارة تمارس رذيلة النفاق عندما تحاول ان تكون في صفوف المعارضة. من ياتري أول من يتنحي مفسحاً المجال لقيادة شابة في حزبه ! يكون في الشريحة العمرية بين الثلاثين والأربعين ! هل هو الميرغني أم الترابي أم الصادق أم نقد ؟ أو ربما تفاجئنا عمليات التوريث ! اترك للقارئ الحصيف التقدير .