ü اعتلى القناصة في الساعات الأولى من أول ليلة في العام الجديد برأس السنة أسطح عدد من البنايات العالية بكورنيش النيل قبالة كبري المنشية الجديد!! توتر من نوع خاص يسيطر على المارة الذين يمرون أسفل «العمارة».. ثمة أوربيان رجل وامرأة يراقبان الموقف من إحدى الشرفات.. الأمر يبدو إليهما مسلياً وممتعاً!! الصيحات تسد الأثير الخارجي للمكان.. حركة المرور شبه متوقفة.. والعربات تزحف ببطء سلحفائي!! أحكمت إغلاق زجاج العربة قبل أن أصل مكان هؤلاء القناصة، وكذلك فعل من يشاركني الطريق.. تلقت فتيات وكذلك سيدات أكثر من تحذير إن سرن تحت «الحيطة»!! فالحذر واجب في هذه الليلة المتوترة والمحتشدة بكل مدهش وغريب!! ü لا أحد يعترض هؤلاء.. الشرطة موجودة وتحرس المكان!! كل أنواع السيارات «الفارهات» منها و«العاديات» تطلق أبواقها التي تصعد إلى عنان السماء وتختلط بأصوات آلاف الحناجر التي لا نعرف على وجه الدقة ما الذي تقوله؟! «الصفافير» تصم الآذان!! ü يرقص فتى ونصفه الأعلى عارياً في هذا الطقس «المتوحش» يبادله القناصة ذات الحركات!! الغريب في الأمر أن لا أحد يحتج على هذه الاعتداءات..الضحايا يقابلونها بكل ابتسامة وطيب خاطر..!! نحن في ليلة رأس السنة والخرطوم قد خرجت عن بكرة ابيها للاحتفال بهذا اليوم لا أعرف على وجه الدقة من أين جاء «هؤلاء الشباب» بهذه العادات والتقاليد التي لم تكن مألوفة.. مجموعة تعتلي أسطح العمارات وتدلق الماء بكثافة على المارة.. وفي الأرض فتيان يحملون أكياساً صغيرة من الماء أعدت بعناية وحرفية ويسكبونها بكل المشاعر «الباردة» في وجوه المحتفلين معهم في هذه المساحات. ü هم قناصة ولكنهم من نوع خاص، تحس أن القوم «يقتنصون» فرصة هذا اليوم لإفراغ ما في النفوس من ضيق!! يرتدي احتفال الخرطوم بأعياد رأس السنة قناع شخصية نابعة من مغارات «الإحباط» ومؤامرات «الساسة».. وجاءت في هذه اللحظة للبحث عن مساحة «لعن» خفي لشيء «ما» على «شكل» ترويح.. ولو على طريقة القناصة الذين يسدون الطريق أمامك!! ü أحدهم تقمص شخصية رجل المرور ورفع يده اليمنى وأشار لنا باليسرى أن نتوقف.. فعلت ذلك ابتسم «المتقمص» ثم أومأ لي بكل تهذيب أن أواصل سيري «تقمصت» شخصية «المواطن الصالح» الذي يطربه تطبيق النظام والقانون بصرامة.. شكرته بكل امتنان و واصلت سيري.. وبعدها توقفت على مبعدة حتى الرابعة صباحاً.. تأملت بعمق شباب الخرطوم وهم يحتفلون باللعب بالماء و يضحكون بحبور و سرور.. قالت لي جدتي يوماً «الكسرة بالموية لا بتغلط عليك ولا بتوسخ يديك»!! وكذلك تفعل «موية» الخرطوم في رأس السنة.. ü يلعب «الصغار» بالماء ليلاً و«الكبار» يلعبون بالنار دوماً ولا أحد يردعهم.. إنها مفارقة الخرطوم!! وكل عام وأنتم بخير..