لنتبين الإعجاز النبوى لوصف المصطفى صلى الله عليه وسلم لعجب الذنب: قد أوضحت أحاديث المصطفي صلى الله عليه وسلم قضايا كثيرة في جسم الإنسان وفيما سواه من الأمور التي لم يكشف عنها اللثام إلا في الآونة الأخيرة، كما لا يزال بعضها يحتاج إلى المزيد من التقدم في العلوم الكونية حتى تتضح كل أبعاد حقائقها الرائعة البعيدة الغور الصعبة المنال مصداقاً لقول الله تعالى{سنريهم آياتنا في الآفاق وفي أنفسهم حتى يتبين لهم أنه الحق} فصلت: 53). ومن جملة هذه الأحاديث تلك الأحاديث المتعلقة بعجب الذنب والتي أوضحت أن جسم الإنسان كله يركب منه عند تكوين الجنين، كما أن ما يبقي منه في التراب هو الذي يعاد تركيبه يوم القيامة بأمر الله تعالي. بعض الأحاديث الواردة في عجب الذنب: 1- أخرج البخاري في صحيحه عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما بين النفختين أربعون. قال: أربعون يوماً؟ قال أبو هريرة: أبيت. قال: أربعون شهراً ؟ قال: أبيت، قال: أربعون سنة؟ قال: أبيت0 أي أن أبا هريرة أبي أن يحدد الأربعين هل هي يوماً أو شهراً أو سنة ) قال: ( أي أبو هريرة يرفعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم ): « ثم ينزل الله من السماء ماء، فينبتون كما ينبت البقل، ليس من الإنسان شيء إلا يبلي إلا عظماً واحداً، وهو عجب الذنب، ومنه يركب الخلق يوم القيامة » (صحيح البخاري، كتاب التفسير، سورة الزمر الآية 86 ج8/551 وسورة النبأ الآية 18 ج8/689 الطبعة السلفية بمصر تصوير دار المعرفة بيروت). 2- أخرج الإمام مسلم في صحيحه مثله عن أبي هريرة وجاء فيه: كل ابن آدم يأكله التراب إلا عجب الذنب، منه خلق ومنه يركب وفي لفظ أخر له: وليس من الإنسان شئ إلا يبلي إلا عظماً واحداً هو عجب الذنب، ومنه يركب الخلق يوم القيامة ( صحيح مسلم بشرح النووي، دار الفكر، بيروت، كتاب الفتن ج18/91، 92 ). وفي لفظ آخر لمسلم أيضاً: إن في الإنسان عظماً لا تأكله الأرض أبداً فيه يركب يوم القيامة. قالوا: أي عظم هو يا رسول الله ؟ قال: عجب الذنب. 3- وأخرجه أبو داود في سننه عن أبي هريرة بلفظ: كل أبن آدم تأكل الأرض إلا عجب الذنب منه خلق وفيه يركب (سنن أبي داود ج4 الحديث رقم 4743، كتاب السنة، ذكر البعث والصور، ترقيم وتعليق محمد محيي الدين عبد الحميد، دار الفكر، بيروت). 4- وأخرجه الإمام مالك في الموطأ: باللفظ السابق (تنوير الحوالك شرح موطأ مالك للإمام السيوطي، كتاب الجنائز ج1/238، دار الندوة الجديدة، بيروت) 5- وأخرجه الإمام النسائي في كتاب الجنائز من السنن الكبرى. 6- وأخرجه ابن ماجة في سننه في كتاب الزهد (مسند الإمام أحمد ج2/215، و322، ج3/28). 7- وأخرجه الإمام أحمد في مسنده في عدة مواضع. 8- وأخرجه ابن حبان في صحيحه في مواضع متعددة بنفس الألفاظ السابقة (صحيح ابن حبان ج5/55، 56، الأحاديث رقم 3128-3130 ) وكلها عن أبي هريرة إلا حديثاً واحداً عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه برفعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم: « يأكل التراب كل شئ من الإنسان إلا عجب ذنبه. قيل: وما هو يا رسول الله ؟ قال: مثل حبة خردل منه ينشأ». عجب الذنب في علم الأجنة ( الشريط الأولى ): شكل 1: صورة حميل يبلغ من العمر18 يوماً منذ التلقيح.. وقد أزيح كيس السلى (الأمنون) ويبدو الحميل معلقاً بالمعلاق إلى الغشاء المسيمي (الكوريون) كما يبين الشريط البدائي، والفتحة الجرثومية التي تمتد عبر الحبل الظهري فتصل ما بين الطبقة الخارجية الأكتودرم والطبقة الداخلية الأنتودرم مؤقتاً، ويظهر الشريط الأولي الذي لولا وجودة (بأمر الله تعالى) لما تكونت أجهزة الجنين المختلفة ولما بدأ مرحلة النمو السريع والتباين والتمايز في طبقات الجنين المختلفة وما يأتي منها من أعضاء مختلفة. أوضح علم الأجنة الحديث أن عجب الذنب هو الشريط الأولى Primitive Streak حيث إن هذا الشريط الأولى هو الذي يتكون إثر ظهوره الجنين بكافة طبقاته وخاصة الجهاز العصبي، ثم يندثر هذا الشريط ولا يبقي منه إلا أثر فيما يسمي عظم العصعصي ( عجب الذنب). تكوين الشريط الأولى: بعد أن تعلق الكرة الجرثومية ( الأريمة )( جرثومة الشيء أصله، وكذلك أرومته أي أصله، وهذه الكرة الجرثومية تتكون من النطفة الأمشاج ( الزيجوت ) بعد أن يلقح الحيوان المنوي البيضة، ثم يبدأ في الانقسامات المتتالية حتى تصبح مثل التوتة وهي مصمتة من الداخل ثم تصبح مثل الكرة حيث يتكون بداخلها سائل ويصير لها جوف ولهذا تدعي الكرة الجرثومية أو الأريمة ( تصغيرا ) ثم تعلق بجدار الرحم في اليوم السابع أو السادس منذ التلقيح) Blastula في الرحم تنغرز فيه ثم تتمايز إلى كتلتين من الخلايا هما: أ- الكتلة الخارجية: وهي تحتوي على الخلايا الأكلة Cytotrophoblasts التي تقضم جدار الرحم وتثبت الكرة الجرثومية فيه، كما أنها تسمح بتغذية الكرة الجرثومية مما يتكون حولها من الدماء والإفرازات الموجودة في غدد الرحم. ب- الكتلة الداخلية: التي منها يتكون الجنين بإذن الله تعالى، وهذه بدروها تنقسم إلى ورقتين: 1- خارجية وتدعي الاكتودرم Ectoderm 2- داخلية تدعي الانتودرم Ectoderm وتظهر طبقة الانتوردم الداخلية في اليوم الثامن منذ التلقيح، ويظهر شق صغير أعلى الطبقة الاكتودرمية الخارجية مكوناً بداية تجويف الأمينون ( السلي (، ويكون سقف تجويف السلي من الخلايا الأكلة بينما قاعدته من خلايا الاكتودرم. وفي اليوم التاسع يمتد من خلايا الطبقة بخلايا الانتودرم شريط من الخلايا ويتصل بخلايا الميزودم الخارجية Extra Embryonic Mesoderm مكوناً كيس المخ الأولى primary Yolk Sac. وفي اليوم الثالث عشر تنمو من الخلايا الآكلة الخارجية Cytotrophoblasts نتوءات تعرف بحملات الغشاء المشيمي Chorionic Villi التي تثبت كيس الجنين بالرحم، ثم تتفرع بعد ذلك مثل فروع الشجرة. كما تنمو الخلايا الانتودرم الداخلية مكونة كيس المخ الثاني والذي يصغر الكيس الأولى بكثير. وفي نهاية الأسبوع الثاني يكون الجنين ممثلاً بقرصين متلاحقين: 1- القرص الخارجي ( الاكتودرم ) ويكون قاع تجويف الأمنيون. 2- القرص الداخلي ( الانتودرم ) الذي يكون سقف تجويف كيس المخ. ويلتصق القرصان في الجزء الأمامي أو ما سيعرف لاحقاً بجهة الرأس Cephalic Portion نتيجة ثخانة خلايا الانتودرم، وتعرف هذه المنطقة باسم الصفيحة سالفة القلب Prochordal Plate. وكذلك يلتصق القرصان في المنطقة المؤخرية ( الذيلية ) Caudal Portion مكونة صفيحة المزرق مستقبلاً Cloacal Plate. وفي اليوم الرابع عشر يستطيل القرصان حتى يأخذا شكل الكمثري فيكون الجزء العريض هو الجزء الأمامي بينما يدق الجزء المؤخري، وتنشط خلايا الاكتودرم في الجزء المؤخري مكونة الشريط الأولي Primitive Streak الذي يظهر لأول مرة في اليوم الخامس عشر منذ بدء التلقيح. ويظهر انقسام سريع ونمو متكاثر في الشريط الأولى وتهاجر الخلايا يمنه ويسرة بين طبقة الاكتودرم الخارجية وطبقة الانتوردم الداخلية مكونة طبقة جديدة هي الطبقة المتوسطة ( الميزودم ) Mesoderm. نواصل..