رغم أن إعلان وفاته دماغياً قد هيأنا لسماع الخبر الحزين عن الفنان محمود عبد العزيز.. إلا أن هذا التمهيد لم يمنع عنا هزة الصدمة وإحساس الفجيعة والناعي ينعيه لنا من العاصمة الأردنية عمان لتهطل على الخرطوم سحب الدموع التي حبسناها طوال الأيام الماضيات ونحن نصبر الباكين والمشفقين ونقول ما تبكوا محمود قبل يومو لأنه راجع البلد.. وهذه قناعة لم تفارقني لحظة أن محمود سيعود معافاة بمعجزة إلهية.. فمحمود طوال حياته وسيرته لم يأذِ أحداً لأنه كان مع نفسه وفي نفسه.. لم تصبه الشهرة بمرض التعالي والعجرفة.. ظل حبوباً محبوباً بابتسامة لا تفارق محياه.. شاهدته آخر مرة في النادي العائلي وهو يسلم على البعرفه والما بعرفه بالأحضان.. لم استغرب ذلك لأنها كانت عادته وطريقته.. ومحمود على الصعيد الشخصي أخو أخوان هكذا يعرفه القريبون منه شخصاً صادقاً لا يحب الكذب ولا الخيانة.. كان عنيداً لكنه واضح حتى عناده كان بمحبة وحنية لا يقسو بالقول على أحد وإن فعل سرعان ما يتراجع وتتلبسه حالة الحنية من جديد.. أما على الصعيد الفني فمحمود ليس ظاهرة فنية.. محمود ظاهرة كونية لا أظن أنه سيتكرر بهذه الحنجرة القوية والأداء المتفرد والامتلاك المدهش لمجاميع وألوف مؤلفة من الشباب قبيلة الحواتة الذين أخشى عليهم أن يقتلهم لهيب الشوق بعد رحيل حوته الذي أحبوه وعشقوه وتسموا باسمه! نعم رحل محمود وسكت الرباب وبرودة طقس الفراق تهددنا بخوف الوجع من رحيله المر.. والذي لولا إيماننا بأن كل نفس ذائقة الموت لقلنا إنه رحيل قبل أوانه!.. ومحمود كنا ندخره لجميل الأغنيات وعذب الألحان وهو الجان الذي امتلك الساحة الفنية وجعل لنفسه عرشاً من الأغنيات الخاصة التي جدد بها ذاكرة الغناء السوداني فانتعشت وازدهرت وأينعت أغنيات مستنا جميعاً.. فجعلت محمود هو الأقرب لنا جميعاً.. ولعل محمود واحد من الفنانين القلائل الذين إذا تغنوا بعمل لفنان آخر يجعلك تعزف وترفض بعدها أن تستمع للعمل مرة أخرى من صاحبه الأصلي.. لأن محمود يشبع ويلبس الأغنية من دواخله العجيبة.. فنصبح ما بنطيق لغيرو نسمع.. قلبي والله مع كل الذين أحبوا محمود حباً بلا حدود وظلوا يتضرعون للمولى عز وجل أن يرفع عنه المرض والسقم لكن لا راد لمشيئة الله.. فهو من أعطى وهو من أخذ وإنّا والله يا محمود لفراقك لمحزونون.. وبرحيلك المر انقطع الوتر واشتت ألحان وستظل في دواخلنا كلما سمعنا يا مدهشة والفات زمان وبحسك ونور العيون.. لأنك لم تكن مجرد مغنٍ يحمل صوتاً هو فقط هبة السماء.. لكنك أدركت قيمة هذا الصوت فألبسته أنيق الكلمات وزاهي الألحان. ٭ كلمة عزيزة إذا أحب الله عبداً حبب الله خلقه فيه احسبوا معي واحصوا كم الذين يحبون حوته؟ ٭ كلمة أعز «لا حول ولا قوة إلا بالله».. «إنّا لله وإنّا إليه راجعون».