شهر رمضان المعظم من أكثر الشهور بركة وخير.. وفيه تهتدى النفوس وتصفى القلوب وتتجه إلى عبادة ربها لتنال الرضى من عنده.. وتبدأ أيام الشهر بالعشرة أيام الأوائل، وهي أيام الرحمة، وكلنا يحتاج إلى رحمة ربه في هذا الزمان الصعب.. ودائماً بداية «أي شيء» صعبة على الإنسان.. لذلك دائماً ما تكون العشر الأوائل من الشهر صعبة عليه لأنه اعتاد على المكيفات والمشروبات ويصعب عليه تركها.. ويكون في حالة صراع مع النفس لكي تتعود وتتأقلم على الوضع الجديد فهي فعلاً أيام الرحمة.. وتليها أيام المغفرة التي نسأل الله فيها أن يغفر لنا كل الذنوب.. ويكون الإنسان قد تعود تدريجياً على الصوم والعبادة بطريقة أحسن، فطبيعة البشر تكمن في التعود على الشيء.. وحالما عود الإنسان نفسه على وضع تأقلم معه وهذا من رحمة الله على عباده... إن المؤمن يعلم أن هذه المواسم عظيمة .. مواسم رمضان.. والنفحات فيها كريمة وكبيرة .. لذا عليه أن يغتنمها .. ومن الغبن البيِّن تضييع هذه المواسم وتفويت هذه الأيام.. وإن لم نغتنم هذه الأيام فأي موسم نغتنم، وإن لم نفرغ الوقت الآن للعبادة فأي وقت نفرغه لها؟.. فالدنيا أصبحت «لاهيةً» للناس بأمورها.. «لهتهم» عن أمور دينهم فأصبحوا يدورون في ساقية لا يدرون لها نهاية ولا بداية .. وفي هذا الشهر العظيم علينا وعليكم الاجتهاد لكسب الحسنات وتأديب النفس وإصلاحها وأن نعودها على ما هو أصلح وأقوم لها. ومن رحمة الله بالعباد - وهو الغني عنهم - أن جعل أفضل أيام رمضان آخره، إذ النفوس تنشط عند قرب النهاية .. وتستدرك ما فاتها رغبة في التعويض .. والعشر الأواخر هي خاتمة مسك رمضان .. وهي كواسطة العقد للشهر لما لها من المزايا والفضائل .. التي ليست لغيرها ولذا كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يحتفي بها احتفاءً عظيماً.. ويعظمها تعظيماً جليلاً .. وما هذا إلا لعلمه بفضلها وعظيم منزلتها عند الله تعالى -وهو أعلم الخلق بالله وبشرعه المطهر . ولقد كان رسول الهدى عليه الصلاة والسلام يعطي هذه الأيام عناية خاصة ويجتهد في العمل فيها أكثر من غيرها.. ففي صحيح مسلم عن عائشة رضي الله عنها«أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يجتهد في العشر الأواخر مالا يجتهد في غيرها » رواه مسلم. «وكان إذا دخل العشر شد مئزره ، وأحيا ليله، وأيقظ أهله» متفق عليه من حديث عائشة رضي الله عنها.. صلى الله عليه وسلم وعلى آله وصحبه أجمعين.. فعلى كل المسلمين أن يشدوا من مآزرهم في هذه الأيام المباركات أيام العتق من النار.. وهنئياً لمن عُتق من النار.. نسأل الله لنا ولكم أن يرحمنا ويغفر لنا ويعتقنا من النار.. اللهم آمين.